كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مجازر مروعة جديدة ضد مسلمي عرقية الروهينغا بإقليم أراكان شمال غربي ميانمار, وذلك وسط انشغال العالم بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. وقالت الصحيفة في تقرير لها في 14 نوفمبر, إن إقليم أراكان القريب من الحدود مع بنجلاديش ظل تحت الحصار, منذ أن أرسلت حكومة ميانمار في 9 أكتوبر قوات الجيش لملاحقة من تقول إنهم مسلحين من الروهينغا قتلوا تسعة من رجال الشرطة. وأضافت أن جيش ميانمار شن في 12 و 13 نوفمبر غارات على قرى بأراكان, سقط فيها نحو ثلاثين قتيلا من الروهينغا, بزعم قيام مسلحين إسلاميين متشددين بقتل جنديين آخرين. وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه منذ حادثة 9 أكتوبر التي تم فيها مهاجمة عدد من مراكز الشرطة, وقتل فيه تسعة جنود, تلقت منظمات حقوق الإنسان الدولية تقارير تفيد بقتل جيش ميانمار رجالا غير مسلحين من الروهينغا، واغتصاب نساء من تلك العرقية في عدد من القرى, وجلد رجال محتجزين في ماونغداو, المدينة الرئيسة في أراكان, كما تلقت منظمات حقوق الإنسان أخبارا عن مقتل نحو مائة من المدنيين, فيما أظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية عددا من قرى الروهينغا التي تعرضت للحريق. وتابعت الصحيفة "رغم أن دبلوماسيين غربيين دعوا رئيسة حكومة ميانمار الحاصلة على جائزة نوبل للسلام أونغ سان سو كي لإجراء تحقيق مستقل في أعمال العنف بأراكان، لكنها رفضت ذلك وتركت الأمر للتحقيق من قبل لجنة حكومية بالإقليم". وخلصت "نيويورك تايمز" إلى القول :"إن هناك بوادر تشكيل مقاومة مسلحة في أراكان, ردا على مجازر حكومة ميانمار, لأن مهاجمة مراكز الشرطة وزراعة القنابل على جوانب الطرق هي أمور جديدة لم تحدث من قبل". وكانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية لحقوق الإنسان دعت في 13 نوفمبر الأممالمتحدة إلى التحقيق في الهجمات الأخيرة التي استهدفت قرى لأقلية الروهينغا المسلمة في إقليم أراكان بميانمار. ونقلت "الجزيرة" عن بيان للمنظمة القول :"إن صورا التقطتها الأقمار الصناعية بين 22 أكتوبر الماضي والعاشر من نوفمبر الحالي، تظهر حرق 430 منزلا في الإقليم". وتابعت المنظمة "سلطات ميانمار أعلنت أراكان منطقة عمليات عسكرية مغلقة في أعقاب هجمات نفذها من وصفتهم بأنهم متشددون إسلاميون على مراكز شرطة في 9 أكتوبر الماضي". واستطردت " في أعقاب تلك الهجمات التي قتل فيها تسعة جنود، أعلنت حكومة ميانمار إغلاق المدارس ومنعت الصحفيين وعمال الإغاثة من دخول أراكان. كما اتهمت اللجنة الدولية للحقوقيين حكومة ميانمار "بالانتقام" ضد المسلمين, وانتقدت خطط سلطات ميانمار لتسليح وتدريب السكان غير المسلمين في أراكان, وقالت إن تلك الخطوة كارثية. وكانت صحيفة "غلوبال نيولايت أوف ميانمار" زعمت أن نحو 60 شخصا من الروهينغا مسلحين بالبنادق والسكاكين والرماح نصبوا كمينا لقوات الحكومة صباح السبت الموافق 12 نوفمبر, ما أسفر عن مقتل جنديين, فيما رد الجيش على إطلاق النار وطلب تعزيزات من طائرات مروحية عسكرية, ما أسفر عن مقتل عشرات من المهاجمين. وأشارت الصحيفة إلى أن عدد القتلى منذ التاسع من أكتوبر ارتفع إلى أكثر من ستين من المشتبه بأنهم مهاجمون من مسلمي الروهينغا و17 من قوات الأمن. ومن جانبها, جددت الأممالمتحدة في التاسع من الشهر الحالي دعوتها سلطات ميانمار لفتح تحقيق مستقل حول اتهامات تتعلق "باغتصاب جنود ميانماريين نساء مسلمات في أراكان ثم قتلهن". ويمثل الروهينغا وعددهم 1.1 مليون نسمة الأغلبية في أراكان، لكن سلطات ميانمار ترفض منحهم الجنسية وتزعم أنهم مهاجرون غير شرعيين جاءوا من بنجلاديش المجاورة، كما تفرض قيودا مشددة على تحركاتهم. وتؤكد منظمات حقوقية أن حكومة ميانمار تعمل على تهجير المسلمين من أراكان بشكل ممنهج, ولذا ترتكب المجزرة تلو الأخرى ضدهم. وتعرض مسلمو الروهينغا على مدى العقود الماضية لانتهاكات جسمية لحقوقهم الإنسانية، شملت حرمانهم من حق المواطنة وتعريضهم للتطهير العرقي والتقتيل والاغتصاب والتهجير الجماعي , الذي لا يزال مستمرا. وبدأت هذه الممارسات ضد الروهينغا الذين يستوطنون بكثافة إقليم أراكان أو راخين في عهد الاستعمار البريطاني الذي قام بتحريض البوذيين وأمدهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942 ففتكوا خلالها -وفقا لمختلف التقارير- بحوالي مائة ألف مسلم. وبعد أن نالت ميانمار استقلالها عن بريطانيا في عام 1948، تعرض الروهينغا لأبشع أنواع القمع والتعذيب, وتواصل هذا الجحيم بموجب قانون الجنسية الصادر عام 1982، والذي ينتهك المبادئ المتعارف عليها دولياً بنصه على تجريد الروهينغا ظلماً من حقوقهم في المواطنة. وترتب على هذا القانون حرمان مسلمي الروهينغا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حرمهم من حق التصويت بالانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة النشاطات السياسية. وكان الجنرال الديكتاتور ني وين، الذي استولى على السلطة بانقلاب عسكري في عام 1962، دفع باتجاه إصدار قانون الهجرة الطارئ عام 1974، وفي عام 1982 تم تجريد الروهينغا من جنسيتهم، وانتهج الحكم العسكري سياسة غير مكتوبة تهدف إلى التخلص من المسلمين والمسيحيين، إضافة إلى إثنيات أخرى صغيرة. وفرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب باهظة على المسلمين، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، إضافة إلى تكبيلهم بقيود تحد من تنقلهم وسفرهم وحتى زواجهم. كما تشير تقارير إلى أن السلطات قامت في 1988 بإنشاء ما يسمى "القرى النموذجية" في شمال راخين، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق بدلا من المسلمين. وحسب "الجزيرة", لم يكن الجانب الديني والعقائدي بمنأى عن تلك الإجراءات القمعية، حيث تشير مختلف التقارير إلى قيام سلطات ميانمار بهدم مساجد ومدارس دينية في المناطق التي يقطنها الروهينغا، إضافة إلى منع استخدام مكبرات الصوت لإطلاق أذان الصلاة، ومنعهم من أداء فريضة الحجّ باستثناء قلة من الأفراد. وزادت أوضاع الروهينغا سوءا وأصبحت قضيتهم تتصدر عناوين الأخبار جراء القمع والتهجير الجماعي الذي يواجهونه. وفي مايو 2012 , تجددت المجازر ضد الروهينغا بعد اتهامهم بالوقوف وراء حادثة اغتصاب وقتل امرأة بوذية، ما أسفر عن الآلاف منهم, حيث كان يتم حرق بعضهم وهم أحياء. وفيما تصف الأممالمتحدة الروهينغا بأنهم إحدى أكثر الأقليات تعرضا للاضطهاد في العالم, إلا أنها لم تفعل شيئا لحمايتهم, فيما تصر سلطات ميانمار على أن الحل الوحيد لأفراد هذه العرقية يقضي بتجميعهم في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلد. يذكر أن أعداد المسلمين في ميانمار تتراوح ما بين خمسة وثمانية ملايين نسمة يعيش 70% منهم في إقليم أراكان، وذلك من ستين مليون نسمة هم إجمالي تعداد السكان بالبلاد.