في فضيحة عالمية غير مسبوقة, قررت السلطات في ميانمار منع مسلمي عرقية الروهينغا في ولاية راخين غربي البلاد من إنجاب أكثر من ولدين، لتكون الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض تحديدا للنسل على أساس طائفي أو عرقي. ونقلت وكالة الأنباء الأوروبية عن مسئول في ولاية راخين قوله في 26 مايو إن الهدف من هذا الإجراء كبح الزيادة في أعداد المسلمين، حيث لم يشمل الإجراء الجديد الطائفة البوذية. ومن جانبها, ذكرت وكالة "فرانس برس" أن سلطات ميانمار جعلت تحديد النسل لمسلمي الروهينغا شرطاً أساسياً للبقاء في المخيمات التي يتجمعون فيها، بعد أن أحرقت العصابات البوذية بيوتهم في أحداث العنف والاضطهاد التي شهدتها مناطق عدة بولاية راخين "أراكان سابقا" منذ العام الماضي. وتتواصل حملة الإبادة ضد مسلمي الروهينغا, حيث صادرت السلطات في ميانمار في 25 مايو 13 قارباً يملكها الروهينغا العاملين في صيد الأسماك في عدد من قرى جنوب راخين, كما قامت منظمة "969" البوذية المتطرفة بتحويل أكثر من عشرة جوامع في راخين إلى معابد بوذية. وجاءت الإجراءات السابقة بعد ان أوصت لجنة شكلتها حكومة ميانمار للتحقيق في أعمال العنف الطائفي بولاية راخين باتخاذ ما يلزم لتحديد النسل لدى مسلمي عرقية الروهينغا، زاعمة أن النمو السكاني بين المسلمين أحد أسباب التوتر مع البوذيين. وفيما اعتبر بمثابة ضوء أخضر لتصعيد المجازر ضد الروهينغا, امتنعت اللجنة عن تحديد الجهة الضالعة في العنف الطائفي الذي شهدته ولاية راخين العام الماضي, وأدى إلى مقتل وحرق مئات المسلمين نحو 140 ألفا منهم, بل وأكدت اللجنة أيضا في 29 إبريل الماضي أنه لا توجد حاجة إلى تعديل قانون المواطنة, الذي يعود إلى عام 1982، والذي صنف أقلية الروهينغا المسلمة على أنهم مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش, رغم أن هذا القانون هو لب المشكلة, حيث نص على اعتبار أكثر من 130 أقلية عرقية من مواطني ميانمار، لكنه استبعد الروهينغا. واللافت إلى الانتباه أن قرار تحديد نسل الروهينغا بولدين فقط جاء أيضا بعد زيارة قام بها رئيس ميانمار ثين سين للولايات المتحدة في 22 مايو, حيث أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالإصلاحات, التي قام بها ثين سين وتقدمه الكبير في إحلال الديمقراطية في ميانمار, رغم أن الانتهاكات ضد مسلمي الروهينغا تضاعفت منذ تولي حكومة سين السلطة في مارس 2011 , وهي أول حكومة مدنية في ميانمار بعد خمسة عقود من الحكم العسكري الديكتاتوري. بل إن الزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما, وهو زعيم بوذي, استنكر أيضا المجازر ضد مسلمي الروهينغا في ميانمار على يد رهبان بوذيين، قائلا أمام تجمع بجامعة ماريلاند خلال زيارة للولايات المتحدة في 8 مايو إن السبب الأساسي للصراع في ميانمار سياسي وليس روحيا. والدالاي لاما الحائز على جائزة نوبل للسلام، مقيم بالمنفي، منذ فراره إلى الهند عام 1959 بعد انتفاضة فاشلة ضد الحكم الصيني للتبت، وتصفه بكين بأنه انفصالي، أما هو فيؤكد أنه يسعى فقط إلى مزيد من الحكم الذاتي لوطنه الواقع في جبال الهملايا. كما جاءت إشادة أوباما بما سماه التقدم الكبير في إحلال الديمقراطية في ميانمار رغم اتهام منظمة "هيومان رايتس ووتش" الدولية لحقوق الإنسان ,ومقرها نيويورك, السلطات في ميانمار بتنفيذ "حملة تطهير عرقي ممنهجة" ضد أقلية الروهينغا المسلمة, مشيرة في تقرير لها في 23 إبريل الماضي إلى أن عددا من المسؤولين في ميانمار ومن زعماء الرهبان البوذيين نظموا وشجعوا "الهجمات في القرى المسلمة بدعم من قوات الأمن". ويبدو أن الأسوأ لم يقع بعد في ظل صمت المجتمع الدولي المخزي تجاه المجازر المتواصلة بحق الروهينغا, ولذا لا بديل عن تحرك منظمة التعاون الإسلامي بشكل عاجل للتصدي لفضيحة تحديد النسل. ومعروف أن عدد سكان ميانمار " بورما سابقا" يزيد عن 55 مليون نسمة، نسبة المسلمين بينهم لا تقل عن 10% أو قرابة ال 10 ملايين نسمة, ونصفهم في إقليم أراكان "راخين بالبورمية" ذي الأغلبية المسلمة في غرب ميانمار. وارتكبت العصابات البوذية في ميانمار بدعم من الدولة مجازر واسعة ضد مسلمي عرقية الروهينغا في ولاية راخين في يونيو 2012 ، شملت القتل والحرق والاغتصاب والاعتقالات الجماعية، وتجددت تلك المجازر في أكتوبر من العام ذاته في تسعة من مناطق ولاية ارخين ال17، ما أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف من المسلمين وتدمير قرى كاملة لهم، ونزوح الآلاف منهم, فر أكثرهم إلى المناطق المحيطة بسيتوي عاصمة ولاية راخين, حيث تعرضوا هناك لانتهاكات جديدة. وأسفرت مجازر جديدة اندلعت في وسط ميانمار في 20 مارس الماضي عن مقتل 43 مسلما على الأقل, بالإضافة إلى آلاف المشردين، بعد خلاف بين عائلة بوذية ومسلم يمتلك متجر ذهب في مدينة ماندالاي, كما لقي 13 طفلا حتفهم في حريق شب بمدرسة دينية إسلامية في مدينة يانغون عاصمة ميانمار في 2 من الشهر الجاري. ودأبت السلطات في ميانمار منذ عقود على تقييد حقوق مسلمي عرقية الروهينغا في التنقل والتعليم والتوظيف، كما جردوا عمدا من جنسيتهم بمقتضى قانون جنسية تمييزي صدر عام 1982 , يزعم أن عددا كبيرا من مسلمي الروهينغا وصلوا إلى ميانمار "البوذية" من بنجلاديش المجاورة كعمال تحت الحكم الاستعماري البريطاني في القرن التاسع عشر, ولذا تستند حكومة ميانمار إلى هذه الحجة لحرمانهم من الجنسية, فيما تؤكد حقائق التاريخ أنهم ينتمون لمملكة "أراكان" المسلمة في بورما, والتي تعرف حاليا بولاية راخين. وواجه المسلمون خلال حقبة الاستعمار البريطاني لبورما "1886-1948" مجازر واسعة منها: طردهم من وظائفهم وإحلال البوذيين مكانهم ومصادرة أملاكهم وتوزيعها على البوذيين والزج بالمسلمين وخاصة قادتهم في السجون أو نفيهم خارج أوطانهم وتحريض البوذيين ضد المسلمين ومد البوذيين بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحة مروعة عام 1942 , حيث فتكوا بحوالي مائة ألف مسلم في أراكان. وبورما تشكلت في الأساس من عدة ممالك في شرق آسيا, وتقع على امتداد خليج البنغال, وتحدها من الشمال الشرقي الصين، والهند وبنجلاديش من الشمال الغربي، كما تشترك في حدودها مع كل من لاوس وتايلاند ،أما حدودها الجنوبية فسواحل تطل على خليج البنغال والمحيط الهندي. ومعروف أن البوذية هي ديانة من الديانات الوثنية, التي ظهرت في الهند في القرن الخامس قبل الميلاد, وقد أسسها سدهارتاحوتاما الملقب ببوذا، وكلمة بوذا تعني العالم ويطلق عليه أيضا لقب سكاموني ومعناه المعتكف، وكانت نشأته على حدود نيبال نشأة مترفة حيث كان أميراً، تزوج صغيراً ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته إلى الزهد والتقشف والتأمل في الكون وانتهج نهجا خاصاً في الكون ليتخلص الإنسان به من آلامه ودعا إلى ذلك كثيراً من الناس. وللبوذية مذهبان: مذهب شمالي وهو السائد في الصين واليابان ومملكة النيبال، والمذهب الجنوبي وهو السائد في بورما والهند وسريلانكا، وأتباع المذهب الأول غالوا في بوذا حتى ألهوه، وأتباع المذهب الثاني أقل غلوا, ويعتقد البوذيون عدة معتقدات باطلة منها القول بتناسخ الأرواح، وأن بوذا هو ابن الله وأنه مخلص البشرية من مآسيها وآلامها وأنه يحمل عنهم جميع خطاياهم, وزادت مؤخرا أعمال العنف الطائفي, التي يشنها أتباع الديانة البوذية ضد المسلمين في آسيا, وتحديدا في ميانمار وسريلانكا, وهو ما فسره البعض بمحاولة حكومتي الدولتين التغطية على إخفاقاتهما الاقتصادية والإصلاحية بدعم المتطرفين البوذيين وإظهار المسلمين على أنهم "تهديد".