ترتفع الزغاريد ابتهاجا بشراء "الشبكة" للعروس، وتعلو الضحكات المتبادلة بين المقبلين على الرباط المقدس وتجار المعدن النفيس، الذين يعلو الآن الوجوم ملامحهم وغابت الممازحات لتحل محلها أحاديث متكررة تشكو من هبوط المبيعات وارتفاع الأسعار لأكثر من الضعف خلال عام واحد. وشهدت أسعار الذهب في مصر ارتفاعًا غير مسبوق حيث قفز سعر عيار 21 (الأكثر تداولا في مصر) من 260 جنيهًا (30 دولارًا) في ديسمبر 2015، إلى 630 جنيهات (71 دولارًا). وفي جولة ميدانية ل "الأناضول"، بأحد أقدم شوارع القاهرة التاريخية الذي يعج بالزائرين، ويتلألأ فيه المعدن الأصفر بين دكاكين اقتربت من بعضها البعض، تكاد بضائعها تتشابه، عشرات المحلات ومثلها من ورش صناعة الذهب والحُلي المرصعة بالأحجار الكريمة، فضلا عن محلات الفضة، كلها آثرت تقليل المعروض من بضاعتها، فلسان حال أهلها "السوق نائم''. أصحاب المحلات قالوا للأناضول في أحاديث متفرقة إن السعر الذي وصل إليه الذهب "لم نشهده من قبل"، والمحلات خلت من الزبائن بعدما كانت تشهد ازدحامًا شديدًا. وأشاروا إلى أن ارتفاع سعر الدولار ضرب الذهب في مقتل وأدى إلى انخفاض بيعه بنسبة تتعدى 90%، متوقعين استمرار ارتفاع أسعاره "طالما بقيت العملة الأمريكية في صعودها الجنوني". وواصل الدولار ارتفاعه أمام الجنيه المصري في السوق السوداء (الموازية)، ليسجل أكثر من 18 جنيها رغم ثبات سعر الصرف الرسمي عند 8.88 جنيهات في البلد الذي يعاني نقصاً حاداً في العملة الصعبة، نتيجة تراجع إيرادات السياحة، والاستثمار الأجنبي، والصادرات، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج. نبيل عزمي، مالك محل ذهب، قال إن هناك حالة عزوف تام من المواطنين على شراء الذهب خاصة بعد وصول جرام عيار 21 لأكثر من 600 جنيه (70 دولارًا) في سابقة لم تحدث من قبل، لافتًا إلى أن عيار 14 الذي لم يكن عليه أي إقبال تخطى سعره ال 450 جنيها (50 دولارًا). وأضاف: "المقبلون على الزواج في هذه الأيام يكتفون فقط بشراء دبلة (خاتم بلا فص) نظرا لارتفاع أسعار الذهب، وحتى من يريد شراء الذهب لعامل الاستثمار والادخار لم يعد يحلو له الأمر، فعدد الجرامات التي كان سيشتريها أصبحت أقل". وأشار إلى أن هناك حالة من الركود في عمليات البيع والشراء بالسوق منذ سنتين إلا أنها أصبحت في أوجها الأيام الماضية مع الارتفاع الجنوني لأسعار الدولار. وتوقع عزمي استمرار ارتفاع الأسعار إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات حاسمة للقضاء على السوق السوداء وحل أزمة الدولار. وأزمة الذهب ألقت بظلالها على نسبة العمالة هناك، حيث تسببت في تسريح بعضهم من المحال، حسب عزمي الذي قال "عندنا (لدينا) 6 عمال، دلوقتى (الآن) لا أحتاج أكتر من 2 لما الزبائن ترجع بنرجعهم".
وصفي أمين واصف، رئيس الشعبة العامة للذهب والمصوغات بالاتحاد العام للغرف التجارية، قال للأناضول إن جميع العاملين بالقطاع تضرروا بشكل كبير جراء أزمة ارتفاع الأسعار التي قابلها عزوف من المواطنين عن الشراء. وحول أسباب ارتفاع الأسعار، أوضح أن هناك سببين أحدهما عالمي وهو أنه بعد خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي (يونيو الماضي) وانخفاض قيمة الجنيه الإسترليني اتجه رجال الأعمال هناك إلى الاستثمار في الذهب ما أدى إلى زيادة الطلب وبالتالي ارتفاع سعره. وأضاف: "أما السبب الآخر فهو السوق السوداء للدولار والتي نسمع فيها كل ساعة سعر جديد". وأشار إلى أن 80 % من الورش والمحلات أغلقت جراء توقف حركة البيع والشركات وتجد حرفيين مهرة في بلد صنفت كثالث دولة من حيث الجودة بعد إيطاليا وتركيا تركوا المهنة ويعملون كأفراد أمن أو سائقي سيارات أجرة من أجل كسب لقمة العيش. وعن توقعاته لهبوط أسعار الذهب، رد واصف بقوله: "حال زوال الأسباب". ومع كل شمس جديدة تشرق على شارع الصاغة ينتظر أهله ورواده ما يشبه المعجزة لتعيد للأصفر الرنان رونقه وبهاءه.