زار تركياوقطر لتوصيل رسالة للقاهرة بقدرته على بناء تحالفات جديدة.. والرياض وجهته المقبلة رد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على المساعي المصرية المدعومة إماراتيًا؛ لتمكين خصمه وعدوه اللدود، محمد دحلان، قائد الأمن الوقائي السابق في قطاع غزة، من مفاصل القرار السياسي الفلسطيني، مدعومًا بشكل خاص من مصر والإمارات. وزار عباس أنقرة، حيث التقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ووزير الخارجية مراد جاويش أوغلو؛ وكبار المسئولين الأتراك، للبحث في تطورات الوضع الفلسطيني، وعملية السلام، في خطوة اعتبرها محللون تهدف إلى توجيه رسالة لحلفائه التقليديين، وفي مقدمتهم مصر، بأنه قادر على إيجاد تحالفات جديدة تدعم بقاءه، وتعرقل تمكين دحلان من مفاصل السلطة. لم يكتفِ عباس بتلك الخطوة، بل توجه إلى قطر، حيث التقى أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، ووزير الخارجية، محمد بن عبدالرحمن آل ثان، الذي أقام مأدبة غداء للرئيس الفلسطيني جمعته برئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، ونائب إسماعيل هنية، في مسعى قطري لتضييق الفجوة بين الطرفين، والتي تحول دون تطبيق مقررات المصالحة الفلسطينية سواء في القاهرة أو الدوحة. وجاء تقارب عباس مع كل من تركياوقطر اللتين تعدان أبرز خصمين للسلطة الحالية في مصر، وحديثه عن رغبته في تسريع المصالحة مع "حماس"، وعقد انتخابات بلدية يعقبها انتخابات تشريعية ورئاسية؛ للرد على التحركات المصرية الرامية للإطاحة به واختيار دحلان ليكون خلفًا له، وعقد مركز دراسات الشرق الأوسط القريب من دائرة صنع القرار في مصر، مؤتمرًا يضم خصوم عباس في حركة "فتح". وحاول عباس عبر محاولته لخطب ود "حماس"، قطع الطريق أمام محاولات القاهرة لتسويق دحلان في الداخل الفلسطيني، والذي تُرجم في سماحها بوساطة من الأخير، بمرور أكثر من 4آلاف فلسطيني من معبر رفح خلال الأسبوع الماضي، وهو رقم يفوق مجمل من اجتازوا المعبر خلال عام 2016 كاملًا؛ وهو أمر كان مثار ارتياح لدى "حماس". وردت الحركة المسيطرة على قطاع غزة على مغازلة دحلان لها بخطوة أكثر حميمية، إذ امتدح المستشار السياسي لرئيس وزراء الحكومة المقالة في غزة، الدكتور أحمد يوسف، قائد الأمن الوقائي السابق، مرجحًا إمكانية أن يكون له دور وطني في المشهد الفلسطيني، منهيًا أعوامًا طويلة من حملات التشويه والتجريس التي تبنتها آلة حماس الإعلامية ضده وتخوين كل المقربين منه. واعتبر مراقبون للمشهد الفلسطيني، أن "حماس" وفي ضوء المكاسب التي حققتها من وراء إبقائها الباب مفتوحًا مع دحلان، ومنها فتح المعبر، وتعهد الأخير بالتدخل لدى إسرائيل لإطلاق سراح أسرى الحركة لدى إسرائيل؛ ستتبنى سياسة "إمساك العصا من المنتصف"؛ سعيًا لجني المكاسب، والحصول على تنازلات من جانب رئيس السلطة وخصمه اللدود، قبل اتخاذ قرار يرجح كفتها لأي من الطرفين، مع مراعاة التطورات الإقليمية، والدولية، وترقب مواقف قطروتركيا وإسرائيل. ولم يفقد عباس الأمل تمامًا في وجود تغيير في المواقف المصري - الإماراتي تجاهه، إذ يراهن على أن زيارته لكل من تركياوقطر يمكن أن تحدث اختراقًا في مواقف القاهرة وأبو ظبي منه، بحسب الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة. غير إنه أكد صعوبة ذلك، خاصة أن العاصمتين العربيتان تتخذان مواقف إستراتيجية تجاه حليفهما الأول في الساحة الفلسطينية. وشدد على صعوبة حدوث اختراق في ملف المصالحة الفلسطينية؛ في ظل حالة انعدام الثقة بين عباس و"حماس"، ووجود يقين لدى الحركة، بأن تراجع الدعم العربي لرئيس السلطة هو من جعله يحاول إعادة ضخ الدماء في عروق ملف المصالحة الفلسطينية، وأن أي تغييرات في مواقف الأطراف العربية منه ستجعله يعيد الملف برمته للمربع الأول، وهذا ما يدفع الحركة للتردد في حسم مواقفها من عباس ودحلان على حد سواء. ولن يكتفي عباس خلال المرحلة القادمة بالرهان فقط على فتح القنوات مع الدوحة وإسطنبول، بل سيسعى كذلك إلى خطب ود السعودية في ظل توتر علاقاتها مع مصر خلالها الفترة الحالية. ويرى الدكتور عاطف السعداوي، الخبير بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجبة ب "الأهرام"، أن "الساحة الفلسطينية ستعاني لفترة ليست بالقصيرة من تداعيات التجاذبات السياسية، وتحول الأطراف الإقليمية لركن أساسي في القرار الفلسطيني بشكل سيكرس من تراجع اهتمام العالم العربي بالقضية الفلسطينية، ويفتح الباب أمام خلافات يكون معها الفلسطينيون الخاسر الأول". وقال إن "مسألة إنهاء حقبة محمود عباس أمر ليس بالسهولة المتوقعة، فلازال يحكم سيطرته على مفاصل السلطة الفلسطينية، فضلًا عن أن دحلان لا يحظى بقبول في الداخل الفلسطيني بشكل يجعل تطلعه للرئاسة أمرًا شديد الصعوبة، وهو ما تدركه حماس التي ستراهن على الخدمات التي يقدمها لها قيادي "فتح" المفصول، دون أن تخسر ورقة عباس؛ سعيًا لانتزاع تنازلات في ملف المصالحة وهو نهج ستكون له تداعيات مدمرة على القضية".