"في عام الشباب بمصر.. كيف تحول جيل الثورة إلى جيل السجناء؟".. تحت هذا العنوان سلطت صحيفة "إندبندنت" البريطانية الضوء على المفارقات التي يعيشها شباب مصر، خلال العام الحالي الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي "عامًا للشباب". وقالت الصحيفة خلال التقرير - الذي أعده "روبرت ستافورد، وميس رمضاني" - إن شباب الثورة أصبحوا داخل السجون حاليًا، بعد ما أسمتها ب"الإجراءات القمعية من قبل الحكومة التي يدعمها الجيش".
وفيما يلي مقتطفات من تقرير "إندبندنت": بحسب وسائل إعلام محلية، بكى زياد حسن قناوى عند دخوله قاعة المحكمة، قائلا: "أريد أن ألعب!"، حينما حمله والده على كتفه لقفص الاتهام، وبعد صدور الحكم، طالب محاميه بجلب "الشوكولاته والبيبسي!" وهو ما دفع محاميه لشراء الحلوى من السوبر ماركت المجاور. قناوى يبلغ من العمر 3 سنوات، وفي الشهر الماضي قضت محكمة القاهرة ضده بالسجن 4 سنوات و3 أشهر بتهمة السرقة ومقاومة السلطات، محاميه استأنف الحكم، ولا تزال القضية أمام المحكمة. هذه هي المرة الثانية لطفل يقف أمام المحاكمة في القاهرة هذا العام، ورغم أن أحمد منصور القرني البالغ من العمر 3 سنوات كان محظوظا بما يكفي لإنقاذ حياته في فبراير الماضي، فإن مثل هذا الأحداث سخيفة بما فيه الكفاية، خاصة مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي أن 2016 هو "عام الشباب في مصر".
في يناير الماضي وعد الرئيس السيسي بالتركيز على التعليم والعمل، وفتح أجواء الحوار بين ادارته والأجيال الشابة، وبعد تسعة أشهر من هذا العام، ليس من الواضح ما وصل إليه وعد السيسي، وبدلا من ذلك، مستقبل شباب مصر تبتلعه الإجراءات الخانقة من قبل السلطة التي تشك في الجميع. الفساد المستشري في نظام التعليم دمر المنظومة، ووضع مصر في المرتبة 139 بين 140 دولة في مؤشر جودة التعليم الثانوي. وبحسب تقرير التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، لا تزال بطالة الشباب أكثر من 40 %، والمسارح والمكتبات في جميع أنحاء القاهرة مغلقة في وجه الشباب، كما يتم منع الفنون في محاولة للحد من المعارضة. ياسين محمد واحد من أبناء هذا الجيل، يبلغ من العمر 21 عامًا، أمضى السنوات الأربع الأخيرة داخل السجون لدوره في المظاهرات خلال فترتي حكم محمد مرسي والسيسي. وفي شريط فيديو نُشر على "فيسبوك" الشهر الماضي، وصف ياسين حياته في "عام الشباب" قائلا: "أُطلق سراحي بعفو رئاسي قبل سبعة أشهر، إلا أنني أعلم جيدا أنه قد يجري اتهامي في قضية أخرى، لقد كنت في حالة فرار منذ ذلك الحين". ثمة علامة مميزة في عام 2016، وهي تجديد الجهود لاعتقال ناشطين بارزين، ومن بينهم سناء سيف، وهي سليلة عائلة مشهورة من النشطاء والمحامين، وتم الإفراج عنها بموجب مرسوم رئاسي في أواخر عام 2015، إلا أنها أُعيدت إلى السجن في غضون ستة أشهر، بتهمة "إهانة القضاء". ومن بين هذه الشخصيات البارزة قادة حركة شباب 6 أبريل التي تأسست عام 2008، ورُشحت لجائزة نوبل للسلام عام 2011، قبل حظرها في عام 2014، وقادتها هم من وصفتهم منظمة العفو الدولية بأنهم "جيل الاحتجاجات" الذي أصبح الآن "جيل السجناء". مالك عدلي، أحد الشباب الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، وأحد الذين اعتقلوا، وصف دور المحاكم حاليًا بأنه "ضمان لقمع المواطنين وإضفاء الصفة القانونية على الظلم". وبعد شهرين في الحبس الانفرادي، وفقًا لزوجته، رفضت سلطات السجن منحه سرير، وأُطلق سراحه بكفالة في أواخر أغسطس الماضي. حاليًا هناك جيل جديد من المتظاهرين، إنهم طلاب المدارس الثانوية، الذين ظهروا على الساحة خلال الامتحانات في يونيو الماضي، حيث تحدوا وزارة التربية والتعليم من خلال صفحة على موقع "فيسبوك" تُعرف باسم "تشاو مينغ"، كانت تسرب امتحانات الثانوية العامة وإجاباتها النموذجية قبل أو خلال الامتحانات. ووصفت "تشاو مينغ" نظام التعليم في مصر بأنه "سخيف"، وطالبت بتحسين رواتب المعلمين، وإجراء تغييرات واسعة في المناهج الدراسية الوطنية، قائلةً: "حتى نرى تحسنًا في نظام التعليم، التسريبات سوف تستمر". كما هو متوقع، تمثلت الاستجابة الأولى من الحكومة المصرية في موجة من الاعتقالات للطلاب والمسؤولين بالوزارة. وبسبب الإحباط من عجز الحكومة عن تأمين نظام الامتحانات، تظاهر مئات الطلاب خارج وزارة التربية والتعليم في يوليو الماضي، وفرقت الأجهزة الأمنية المظاهرة بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. وبينما تواجه المكتبات الإغلاق، والمسارح الشهيرة مهجورة تنتظر الهدم، أمر الرئيس السيسي ببناء 12 سجنا جديدا منذ وصوله للسلطة عام 2014. وفي أبريل الماضي، التقى الرئيس السيسي مع أعضاء المجلس الوطني المصري للمرأة، لمناقشة خطط "عام المرأة المصرية" المقرر له عام 2017، وفي الشهر التالي تم منع الناشطة النسائية البارزة "مزن حسن" من مغادرة البلاد . وإذا كان "عام الشباب" نوعًا من الخطط السيئة، فيجب على النساء في مصر الاستعداد لمواجهة فترة مليئة بالتحديات.