شجعت سياسة محمد على باشا الاجانب على المجئ الى مصر لانه كان يستعين بالخبراء والمهندسين واصحاب الخبره فى التصنيع والادارة بالاضافة الى استعانته بالعملاء الاجانب لتصريف منتجاته فى الاسواق الاوربية . فعندما غزا بونابرت مصر فى عام 1798 كان فى مصر اقل من مائة اوربى اغلبهم تجار فى مراكز مثل الاسكندرية ودمياط ، وكانت التجارة الاوربية مع مصر فى السنوات التى سبقت الغزو الفرنسى تحتضر وبدأت الشركات الغربية تغلق متاجرها وتنقل تجارتها الى اماكن اخرى ، ولكن تغير الوضع فى القرن التاسع عشر نتيجة لازدياد انتاج القطن المصرى واتساع كمية التجارة مع اوربا ، ففى عام 1833 بلغ عدد الاجانب فى مصر نحو خمسة الاف وفى عام 1837 ضمت الاسكندرية اكثر من سبعين شركة تجارية اجنبية اغلبها من اليونان وفرنسا وانجلترا والنمسا وايطاليا ، وكانت الدول الاوربية تبحث عن مواطن جديدة للمواد الخام واسواق لتصريف منتجاتها نتيجة لانتشار الثورة الصناعية فى اوربا فاخذت فى النزوح الى الدول والمستعمرات القوية الغنية بالموارد وكانت مصر قد ظهرت قوتها وبرزت قدراتها فى عهد محمد على ولفتت انظار واطماع الدول الاوربيه اليها للاستفادة من مواردها وثرواتها . . وعندما تولى عباس حلمى الأول الحكم فقد الاجانب التشجيع الذى كانوا يلقونه فى عهد محمد على وعمد عباس بسبب معادته للغرب الى وقف التغلغل الاجنبى فى مصر ولما كان عباس يخشى بصفة خاصة توطد النفوذ الفرنسى فى مصر فقد طرد عددا من الفرنسيين المشتغلين فى المصانع والمعامل ، ولكن بمجرد ذيوع نبأ وفاة عباس جاء الى مصر من كل بقاع اوربا (على حد وصف المؤرخون الاجانب) المحتالون والباحثون عن الذهب وتدفقوا باعداد هائله كما لو كانت مصر كاليفورنيا جديده ، خاصة ان الاجانب كانوا يتمتعون فى مصر بالاعفاء من الضرائب بالاضافه الى الحصانه القضائيه اذ لا يجوز توقيفهم ومسالتهم امام القضاء الا بعد موافقة قناصل دولهم وذلك تبعا للامتيازات الاجنبيه التى كانت تمنحها الدوله العثمانيه للرعايا الاجانب فى ولاياتها بمقتضى اتفاقيات دولية بينها وبين الدول الاوربية ، وفى الفترة التى بين عامى 1857، وحتى 1861 دخل مصر حوالى 30000 اجنبى كل عام ، وادى انشاء قناة السويس ورواج القطن المصرى الى ازدياد عدد النازحين الى مصر حتى بلغوا 80000 فى عام 1865م . . وقد كان محمد سعيد باشا والى مصر مسؤلا عن تدفق الاجانب الى مصر بهذا الشكل بسبب حبه للاجانب وتساهله معهم وحرصه على ارضائهم ، وكان عصره اول العصور التى وجدت فيها الحرية التجارية وترك الاجانب بعد ان جاؤوا الى البلاد باعداد كبيره ترك لهم الحرية فى اقامة الشركات وبيوت المال وبيوت الرهن العقارى وكان مجئ الاجانب الاساسى والرئيسى الى مصر لاستغلال موارد الثروة فيها بعد ان حرمهم محمد على منها فقاموا بانشاء البنوك وبيوت الرهن وهذه المؤسسات لم تكن منتشرة فى مصر ويرجع ذلك الى الدين الاسلامى وتحريمه الفائدة او الربا فى تداول الاموال واقتصرت اعمال الاقراض او تشغيل النقود بفائدة على طبقة صغيرة قامت فى بدايتها فى المدن الكبيره فى مصر وتخصصت فى اقراض المشروعات الحكومية وما يحتاج اليه الوالى من اموال ولما جاء اسماعيل الى الحكم وكانت له حاجه كبيره الى المال لمشروعاته وانفاقه واسرافه المبالغ فيه ، توسعت الحكومه والخديوى فى الاقتراض] من هذه البنوك وتوسعت هذه البنوك ايضا فى الانتشار فى مصر . ونتيجة لذلك انشأت بعض البنوك الاوربية فروعا لها فى مصر كى تكون قريبة من الحكومة فتسد حاجتها فى سرعة لتتصيد الفرص التى تعود عليها بالربح واهم هذه البنوك هى . 1. البنك المصرى الانجليزى تاسس فى سنة 1864م برأسمال1.5 مليون جنيه ويخضع للقوانين الانجليزية وقصر هذا البنك معاملاته على الحكومة فقط واستطاع ان يقرض اسماعيل سنة 1865م مايزيد عن 3 مليون جنيه (3387300 جنيه) 2. البنك الامبراطورى العثمانى تاسس فرع له فى مصر فى سنة 1867 وقد اقرض الخديوى فى نفس السنه مايزيد عن 2 مليون جنيه (2080000 جنيه) 3. بنك مصر وتاسس سنة 1867م ، (وهذا غير بنك مصر الذى اسسه طلعت حرب) 4. وبنك الاسكندرية التجارى تكون سنة 1868م ، 5. البنك الفرنسى المصرى تاسس سنة 1868م ، 6. بنك الكريدى ليونيه فتح له فرعا فى سنة 1872م فى الاسكندرية وأنشأت مجموعة اخرى من البنوك وبيوت الرهن العقارى لكى تشجع الفلاحين المصريين على الاقتراض منها برهن الاراضى الزراعية وشجع ذلك بعض اليهود على انشاء بنوك لهم تقوم باعمال الاقراض مثل بنك قطاوى واولاده . . ولقد قامت هذه البنوك وغيرها بتزويد الحكومة بما تحتاج اليه من المال وارتبطت مع الخارج بعلاقات مالية وبخاصة مع البيوتات المالية فى باريس ولندن كما ان معظم هذه البنوك اتصل بالعاصمتين المذكورتين ونمت هذه العلاقات مع الحكومة والبنوك سواء داخل البلاد او فى خارجها لانها كانت تحصل ارباح الديون وتوصلها الى الخارج وهذا يعطينا صورة واضحة عن مقدار اهميتها من جهة والدور الذى لعبته من جهة اخرى . بالاضافه الى هذه البنوك ظهرت شركات اخرى للاستثمار مثل المصارف الزراعية التى تكونت للحصول على امتياز اصلاح الاراضى البور والشركات التجارية والصناعية مثل شركة السجائر والبيرة والملح والصودا وتكرير السكر وانشاء الفنادق وحلج وكبس القطن وشركات التجارة للصادرات والواردات .
. وبصفة عامة فان الشركات الاجنبية والبنوك التى انشأت وبيوت المال والرهن كلها على اختلاف هيئاتها اجتمعت على استغلال احتياج الاقتصاد المصرى وضعف وجهل الحكومة المصرية واسراف الحكام فى الاقتراض والخطأ الذى وقع فيه حكام مصر انه لو تم صرف هذه القروض التى بلغت قيمتها اكثر من مائة مليون جنيه تقريبا على مشروعات انتاجيه لتغير وجه مصر الاقتصادى تغييرا جزريا ولأضحت مصر قوة اقتصادية لا يستهان بها فى المجال الدولى ولأمكن تلافى الكثير من الويلات التى جرها الاجانب على مصر نتيجة تدخلهم كمقرضين للحكومة المصرية الا انه للاسف الشديد قد تم صرف هذه القروض على نواح ترفيهية واستهلاكية بحته والقليل منها هو الذى انفق على المشروعات العامة والطرق والكبارى وكانت النتيجة الطبيعية هى الافلاس الذى كان مقدمة التدخل الاجنبى .