من أسوأ ما تعاني منه مصر- التي كانت أم الدنيا؛ ثروة زراعية منهكة، وإنتاج زراعي ضعيف ورديء وملوث، ومزارعون بؤساء.. وقد أضيف إلى هذه الكوارث تبديد أراضي وادي النيل الخصبة بتحويلها إلى أبراج سكنية وقاعات للأفراح ومخازن للشبسي وخلافه؛ مما يهدد المحروسة بالجوع. وإذا كان هناك تفكير في مشروع حقيقي للنهضة فلابد أن نبدأ من الأصل كمجتمع زراعي عمره آلاف السنين، ونسعي لتطوير الإنتاج الزراعي كما وكيفا. والحقيقة أننا لا تنقصنا الدراسات والبحوث والأفكار ولا الخبراء الوطنيون، فكل هذا موجود وبكثافة.. ولكن مشكلتنا كانت (وما زالت) تكمن في عدم توظيف هذه الثروات بسبب تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة. إن مصر في حاجة ماسة لبدء انطلاقة زراعية تهدف إلى توفير طعامنا (الصحي) والكف عن استيراد المواد الغذائية.. لأنه، كما قال الإمام الشعراوي؛ إذا أردت أن يكون قرارك من رأسك فلابد أن يكون طعامك من فأسك. وهذه بعض الملاحظات والمقترحات، نرجو أن يهتم وزير الزراعة بوضعها في الاعتبار والعمل على دراسة وتفعيل ما يرى المختصون أنه يمكن أن يفيد في إحداث نهضة زراعية وغذائية: * أدى التقتير على المزارعين في مياه النيل (لصالح نوادي الجولف ومشاريع الاستصلاح الخاصة الفاشلة!)، أدى إلى كارثة غذائية وصحية بسبب ري المحاصيل من مياه الصرف، وهي مياه ملوثة ليس فقط بالصرف الزراعي ولكن بالصرف الصحي (المجاري) والصناعي.. وليس معقولا أن تستمر هذه الجريمة!. * ثروتنا النيلية لا تقتصر فقط على المياه.. فهناك (طمي النيل) الذي حرمت منه الأراضي الزراعية منذ إنشاء السد العالي، ثم أهدرت هذه الثروة بدفنها تحت الخرسانة المسلحة بسبب الغزو الخرساني للأرض الزراعية. وهناك اقتراح لإنقاذ ثروة الطمي: نظرا لصعوبة منع البناء على الأرض الزراعية، فلماذا لا تُلزِم وزارة الزراعة مَن تصرّح لهم بالبناء باستخراج الطمي من الأرض بعمق خمسة أمتار (يمكن إنشاء بدروم مكانه) وتسليمه للوزارة التي تقوم بنقله إلى الأراضي الصحراوية بسُمك 25 سم2.. وهذا يعني أن الطمي المستخرج من فدان واحد يكفي لاستصلاح عشرين فدانا. * ومن الثروات المهدرة أيضا الثروة السمكية، فليس معقولا لدولة تقع على بحرين كبيرين، وبها أعظم نهر والكثير من البحيرات، ألا تكتفي من الأسماك بل وتصدّر هذه السلعة الغالية. الإنتاج السمكي الحالي ضعيف وعشوائي وملوث، ولدى علمائنا دراسات وبحوث مجربة للنهوض بالثروة السمكية كما وكيفا لم تلتفت إليها الحكومات المتعاقبة. فهل تستجيب وزارة الزراعة وتضع يدها على هذه الثرة التي يمكن أن تحل مشكلاتنا الغذائية؟. * الميكنة الزراعية صارت ضرورة بعد توجه المزارعين إلى تعليم أبنائهم والعزوف عن مهنة الفلاحة.. وهي بلا شك تزيد الإنتاج وتحسّنه، خصوصا ماكينات غرس البذور وشتلات الأرز وغيره. والمطلوب فورا تأسيس مشروع قومي لتصنيع الآلات الزراعية، وهو مشروع حيوي مربح ولا بديل عنه مهما تكلف، لأنه استثمار ذكي. * التدريب المستمر لعمال أية مهنة أو حرفة أمر حيوي لا تهمله الدول الناهضة.. ولكن المزارعين في بلادنا محرومون من هذه الميزة!. يجب وضع خطة للتدريب المستمر للمزارعين مع تشجيعهم وإغرائهم على التدريب. * مصر بيئة مثالية مغرية لزراعة النخيل.. يجب إنشاء مشاتل بالمحافظات لإنتاج فسائل النخيل بزراعة الأنسجة، لو تم تشجير الطرق السريعة وحدها بالنخيل فسوف يكون لدينا عشرات الملايين، فما بالك بالشوارع وشواطئ الترع والمصارف، ..الخ. * هل فكرت وزارة الزراعة في إنتاج الخشب؟.. لدينا أنواع يستخدمها النجارون المهرة في إنتاج الأثاث وثبت تفوقها على المستورد، مثل خشب العبل، والجميز. لماذا لا نبحث وندرس ونحاول تطوير اقتصادنا؟. * القطن الذي كان مصدر الثروة الزراعية انقرض، ونسي المزارعون فنون إنتاجه، خصوصا الجيل الجديد.. ليس معقولا أن نهدر هذه الثروة!. مطلوب دراسة السبل الكفيلة بعودة القطن والاستفادة من ميزة القطن طويل التيلة. * النهضة الزراعية تتطلب إعادة النظر في برامج كليات الزراعة.. لابد من تطوير مناهجها وتوجيهها لخدمة الزراعة المصرية بخصوصياتها. كما ينبغي تعديل المدارس الثانوية الزراعية لتخرّج مزارعين أكفاء يغريهم الإنتاج الزراعي المربح بدلا من البحث عن وظيفة بائسة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.