الأسطوانة تتجدد، ويُعاد تشغيلها هذه الأيام .. الخونة، العملاء، المتآمرون، الطابور الخامس. ليس بخاف أن الأبواق جرى توجيهها لتستخرج المصطلحات المستهلكة من مخازنها في ظل تفاقم الأزمات التي تكشف عدم قدرة وكفاءة السلطة على حلها، وفي ظل مصاعب الحياة التي باتت تكسر الظهر، وجعلت المواطنين الشرفاء يجأرون بالشكوى أيضا، زوجة ضابط شرطة تشتكي مر الشكوى على الهواء من تلك المصاعب، زوجة ضابط، ولديها طفل وحيد، وتعتمد على معونات الأهل في تسيير حركة الحياة!، وتلك من الفئات التي يغمطها الناس على سخاء السلطة في الرعاية والاهتمام بها، ماذا يمكن أن تقول إذاً زوجة أي مواطن آخر موظف أو عامل في جهاز الدولة؟، ماذا يمكن أن تقول زوجة مواطن يعمل في القطاع الخاص؟، ماذا يمكن أن تقول زوجة مواطن لا يعمل في الدولة، ولا في القطاع الخاص، يعمل بالأجر اليومي مثلا؟، ماذا يمكن أن تقول زوجة مواطن لا يعمل من الأصل؟، ماذا يمكن أن تقول أم لشباب وشابات عاطلين عن العمل؟. هل تلك الأبواق من بلدنا؟، هل يعيشون بيننا؟، هل لهم أقارب ومعارف وبلديات؟، هل يغادرون حياتهم المرفهة ويذهبون إلى مدنهم وقراهم ويجلسون وسط الناس يستمعون منهم، أم هم يجيدون تمثيل دورا على مسرح التضليل العام؟، لكن ذلك المسرح لم يعد يعج بالجمهور، رواده صاروا يُعدون على أصابع الأيدي الواحدة، والمسرحية فقدت ألقها وبريقها. يتم فتح المخازن مجددا لاستخراج المصطلحات المسكوكة مثل العملة في ظل بدء الحديث والاستطلاعات الجماهيرية بشأن هل يترشح السيسي لفترة رئاسة ثانية، أم يكتفي بما تبقى له ويفسح المجال لغيره، على أمل أن يكون هناك أحد لديه برنامج إنقاذ لوطن وشعب ما كان يجب أن يصل إلى هذه الحالة من البؤوس ممن كال وكالوا معه الوعود له بالرخاء والنعيم؟. حقيقة لا أعلم من هم الخونة والعملاء والمتآمرون والطابور الخامس؟، وكيف يمكن معرفتهم وتحديد ملامحهم حتى نشير إليهم بأصبع الاتهام بالمروق من الوطنية، والمشاركة في نشر الفوضى، ومحاولة تقويض بنيان الدولة، والسعي لإسقاطها؟، ومن عجب ألا نجد مثل هذه العناوين إلا في الإعلام الموجه في النظم السلطوية في أي مكان تحكم فيه تلك النظم على وجه الأرض، كأنه كتاب واحد صالح لكل زمان ومكان، ويتم النسخ منه بلغات مختلفة عربية وأعجمية، ومن عجب أيضا أن مرحلة مبارك وعلى طول مدتها "30 عاما"، لم تكن تلك العناوين تجد لها مكانا واضحا في إعلامه، ولا ترويجا على ألسنة رجاله، رغم أن النظام كان سلطويا أيضا ، لكنه كان أكثر سعيا لمنح الدولة وجها مدنيا، مع قليل من التسامح والذكاء والانفتاح السياسي. لن نعثر على تلك المصطلحات التي تنتمي إلى عوالم الشمولية والاستبدادية والتسلطية والديكتاتورية في النظم الديمقراطية الحقيقية، ولدينا العالم الحر في الغرب، وفيما يشابهه ويسير على طريقه في جهات الأرض الأربع، في هذه العوالم لن نجد حكاما وساسة وإعلاما ومواطنين شرفاء يتحدثون ليل نهار عن المؤامرات الكونية التي تستهدفهم وتريد تركيعهم وتعمل على إسقاطهم رغم أنه لو كانت هناك مؤامرات حقا فهذا العالم هو الأولى بأن يكون هدفا لها لأنه يمتلك ما يغري على أن يصوب المتآمرون سهامهم عليه، تمتلك عقولا وأفكارا وإبداعا وتحضرا وقدرات وإمكانيات وموارد بشرية ومادية ومصانع وشركات ومنتجات ومنجزات تستحق أن يتم التآمر عليها من الأشرار الخونة!. ماذا عند العرب جميعا من حضارة حتى يتآمر عليهم العالم من شرقه إلى غربه؟، ما هو وزن وتأثير العرب جميعا اليوم في العالم حتى يواصلون بدرجات وتنويعات مختلفة الحديث عن المؤامرة التي لا تجد في الكون غيرهم؟، كل دولة هدف للمؤامرة، وكل حاكم مطلوب إسقاطه، رغم أن المنطقة مفتوحة على مصراعيها للمتآمرين المفترضين، وبطلبات رسمية ممن هم عرضة للمؤامرة، ويتحدثون عنها، ولا يتوقف إعلامهم من التخويف منها، والغرب المتآمر موجود فعليا في طول الأرض العربية من محيطها إلى خليجها، لتوفير الحماية للأنظمة وللدول، أمريكا عندما وجههت سياستها شطر إيران لعقد الاتفاق النووي فإن الرعب دب في أوصال بلدان عربية خشية أن تكون قد تخلت عنهم، والوفود تتقاطر إلى عواصم المؤامرة في الغرب تستجدي الود وتوطيد العلاقات، وفي مصر يتجدد الحديث عن التآمر الأمريكي الأوبامي رغم أن الخطاب الرسمي مغرق في الثناء والإشادة بالشراكة الاستراتيجية في العلاقات الثنائية. لماذا لا تتآمر أمريكا على كوريا الجنوبية مثلا؟، على الأقل تمتلك شركة هواتف جوالة ضخمة اسمها سامسونج تتفوق على شركتها آبل، وتقتطع لنفسها الحصة الأكبر في العالم في سوق الهواتف، هناك إذاً مصلحة أمريكية في ضرب تلك الشركة، وإسقاطها لمصلحة شركتها، وهناك مصلحة أمريكية أيضا في ضرب الشركات الكورية لتصنيع السيارات لصالح شركاتها الضخمة وعلى رأسها فورد. لم نسمع في فرنسا أن هناك مؤامرة كونية عليها، فقط تحدثت عن استهداف الإرهاب لها، وهذا خطاب واقعي وصادق، كما لم نسمع أن هناك من يتآمر على الهند رغم أن لديها ما يغري المتآمرون المفترضون ، فلديها تكنولوجيا متطورة، وقنابل نووية، ومصانع وشركات وموقع جغرافي، وأرض شاسعة، وعقول علمية وتقنية جبارة، ولماذا لا يتآمرون على الصين، وهى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهى تزاحم الأمريكان في كل موطئ قدم لهم في الأرض اليوم؟. على ماذا يتآمرون علينا؟، أمن إسرائيل مُصان، هل يتآمر الغرب على مشروعات بالمليارات حصل عليها، وعلى صفقات سلاح بالمليارات تساهم في تحريك شرايين الإنتاج في مصانعه؟. نحن نقف على باب صندوق النقد الدولي نطلب استدانة مليارات الدولارات، ونطرق أبواب المنظمات المالية الأخرى لطلب استدانة مليارات إضافية، ونطرق أبواب بنوك وبلدان طلبا لمساعدات وودائع، فلماذا يتآمرون؟ وعلى ماذا يتآمرون؟!. الخلاصة، الإخفاق، هو أكبر مؤامرة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.