... الله يرحمك يا عم جلال ويعوضنا عنك خيرًا, ومن البيان سحر, ومن المنطق جنون, ومن الفلسفة سخرية, ومن السخرية حكمة, ومن جلال بسمة وقرصة أذن, وخبز وملح, ويا شط الإسكندرية يا شط الهوى, لماذا يا بَحَرِى يغادرنا الهوى والمحبون والأساتذة؟ وللمرة الرابعة أمسح ما كتبت وأبدأ من جديد, وكل يوم جديد اعتدت أن أبدأه بفنجان قهوة سادة غامقة, فتكون (زيادة) بمقال عمى جلال عامر. ويجعله عامرًا يا عم جلال, فلم أكن أدرى أن فنجان الأمس سيكون على روحك الطيبة, والطيبون يرحلون, والأشرار يعلنون العصيان, والأشقياء يقتلون بعضهم البعض, وأنت تراقب, وتقول آخر ملاحيظك الموجعة: "المصريين بيقتلوا بعض". حينما يستأذن جلال عامر فى الرحيل, فإن جيلا حارب إسرائيل عام ثلاثة وسبعين, يتسرب من بين أيدينا, جلال عامر عليك السلام, وإليك من (القنطرة شرق) التى شاركت فى تحريرها ألف تحية. ونزف قلبك وأنت تسخر معلقًا على موقعة استاد بورسعيد: "من الظالم الذى حول مدينة حاربت ثلاث دول من أجل الوطن إلى مدينة تحارب من أجل ثلاث نقاط؟". وحينما يغادرنا صاحب (تخاريف) فإن صباحات جميلة مليئة بكلماته, يغزوها الليل والقنابل المسيلة للدموع والخرطوش الحى تحت قبة البرلمان, وكما قلت مرارًا وتكرارًا تصبح (مصر على كف عفريت) تصبح المحروسة وطنًا (كان يملك غطاء ذهب فأصبح من دون غطاء بلاعة... مصر التى بدأت بحفظ الموتى، وانتهت بحفظ الأناشيد، لأن كل مسئول يتولى منصبه يقسم بأنّه سوف يسهر على راحة الشعب، من دون أن يحدد أين سيسهر وللساعة كام؟ فى مصر لا يمشى الحاكم بأمر الدستور، بل بأمر الدكتور، ولم يعد أحد فى مصر يستحق أن نحمله على أكتافنا إلا أنبوبة البوتاجاز، فهل مصر فى يدٍ أمينة أم فى إصبع أمريكا أم على كف عفريت). رحل جلال عامر الذى خاض ثلاثة حروب ضد إسرائيل, ومات وهو واحد من الملايين التى تخوض «حرب الثلاث وجبات». فى دولة تحولت من «أم البلاد» إلى «أم الفساد»؟ قال: (لكننى صعلوك عابر سبيل، ابن الحارة المصرية، ليس لى صاحب، لذلك كما ظهرت فجأة سوف أختفى فجأة، فحاول تفتكرنى)؟... شفت لقد رحل فجأة, كانت أمس صورته فوق مقاله, واليوم فوق نعيه, يا شيخ الساخرين, كيف لا (أفتكرك) وقد تعلمت منك كثيرًا, واختلفت مع تخاريفك كثيرًا, لكنها كانت دائمًا قيمة وقامة. وفى آخر ما كتب, قال الراحل الباقى: "حاجة غريبة منذ ظهر «الجنزورى» على «الساحة» اختفى «الكفراوى» من «الشاشة».. وهناك موضوع آخر فى غاية الأهمية لكننى نسيته وعندما أتذكره سوف أتصل بك.." ولأول مرة لن يعاود جلال عامر الاتصال, هيه دنيا... وحدوه [email protected]