الإشكالية الكبرى المطروحة الآن هل من المصلحة أن يتحمل الإسلاميون تركة مبارك بكاملها برلمانًا ورئاسة أم أنه من الحكمة توزيع الحمل على اثنين: برلمان إسلامى مع رئيس ليبرالى؛ فالإخفاق سيكون على الجميع والنجاح كذلك؟ وإذا جاء إسلامى هل من المصلحة أن يأتى من أقصى اليمين حازم أبو إسماعيل أم من أقصى اليسار عبد المنعم أبو الفتوح أم من الوسط غير المحسوب على طرف محمد سليم العوا ؟ أم أن وجود رئيس ليبرالى سيؤدى إلى توحيد الصف الإسلامى فى مواجهته حيث إنه من المتوقع نشوب معارك برلمانية بشأن الصلاحيات كما يحدث فى معظم دول العالم، وستدور رحى معارك حول الثوابت من جديد، مما سيؤدى إلى تقارب الأجندات الإسلامية كما شهدنا فى معركة الهجوم على الإخوان وانحياز السلفيين إلى صفوفهم، ومن ثم تبنى الحركة الإسلامية مجتمعة لها منصات قفز جديدة للمرحلة التالية، بدلاً من أن تدخل فى مرحلة تكسير عظام بين بعضها البعض فى حال وجود رئيس إسلامى يحار فى مغازلة الجميع فيختار الانحياز ويحدث الاستقطاب والتشرذم؟ إن الأنباء التى رشحت عن انحياز الإخوان إلى ترشيح منصور حسن كرئيس توافقى وهو رجل "بلا بصمات" بوجه خشبى لا ينبئ بما وراءه ولا يحمل كاريزما ولا قدرات ديماجوجية ولا نوايا صدامية ربما تقوى سيناريو أن الإخوان سيعملون على تعديل الدستور لتصبح مصر دولة برلمانية ويحتفظوا بمنصب رئيس الوزراء لأنفسهم ربما خيرت الشاطر وعمل حكومة ائتلافية من كل القوى الوطنية وتوزيع الحمل على الجميع، أملاً فى أن يتم تعديل الدستور بعد ذلك عندما تسنح الظروف، بالرغم ما بذلك الخيار من سلبيات جمة شهدتها مصر قبل انقلاب 1952 فى عدم استقرار الحكومات الائتلافية الهشة والحال كذلك أيضًا فى الكثير من الدول البرلمانية مثل الكيان الصهيونى وتركيا قبل قدوم العدالة والتنمية ، وهل هذا الخيار سيكون فى صالح مصر المريضة اجتماعيًّا والمفلسة اقتصاديًّا خاصة فى ظل التخفيض الدائم للتصنيف الائتمانى لمصر بسبب عدم استقرار حكوماتها؟ يبدو أن الجميع اتفق على ألا يتفق، فكل حزب بما لديهم فرحون: الإخوان ماضون فى طريقهم، وكذلك السلفيون، ما بين رأيين: نرشح مرشحًا إسلاميًّا للرئاسة فقد كسرنا التابوه وفرضنا واقعنا على الغرب، وفريق إسلامى يرى أن ذلك ليس من المصلحة الآن لعدم تكرار تجربة حماس، وبقية الأحزاب الأخرى تتصارع على كعكة اللجان البرلمانية، والشوكة الإسلامية ثلاثية الأسنان من مرشحى الرئاسة سوف تحطم بعضها بعضًا فى الأصوات الانتخابية، بدون نية على الإطلاق للتنسيق فيما بينهم، والشارع يمضى فى طريقه مطالبًا بالرئاسة أولاً، والعسكرى ماض فى طريقه بالالتزام بالجدول الزمنى، وتظل معضلة الرئاسة المصرية تسير فى طريق الاحتكام إلى الصناديق بدون تنسيق يذكر أو النظر إلى المصلحة العليا المشتركة للبلاد ولفصائل الإسلاميين. ينبغى على الجميع أن ينظر إلى مصلحة الدولة المصرية كحالة الحجر الأسود عندما قام النبى صلى الله عليه وسلم باقتراح الثوب ليحمله الجميع فيه، يجب أن تكون الحلول فى مصر الثورة توافقية وأن تتقارب الرؤى والفصائل خاصة داخل التيار الواحد، لذلك أدعم خيار الحلول التوافقية بين القوى والفصائل السياسية حتى لو كان ذلك منصور حسن نفسه؛ فمنصب الرئاسة انطفأ بريقه وسيعد حملاً ثقيلاً بعد أن تسلم الشعب زمام المبادرة من جديد: فلن يصفق أحد ولن نسمع طبلاً أو "بالروح بالدم نفديك"، كما أن الرئيس الجديد لن يملك جوقة بصناعة ثورية؛ ولنا فى منصف المرزوقى آية، كما أن منصب الرئيس سيتحمل الضربات وسوف ينال نصيبه من الهجوم كرئيس الوزراء ولن يملك الرئيس "صدادة" كما كان السابقون يفعلون برؤساء وزرائهم ويستبدلونهم بحكوماتهم بعد أن يهترئوا ويصبحوا مثل المصفاة التى لا تمنع نقدًا ولا تحجب ضوءًا؛ كما أن أبو الفتوح نفسه إذا أصبح رئيسًا وخرج عليه شاب يقول له: إنك تقرب المنافقين مثلما فعل مع السادات عندما كان أبو الفتوح شابًّا بعد أن دار الزمان دورته لن يستطيع حينها أن يقول له أبو الفتوح: قف مكانك؛ فالشعب لم يعد هو الشعب، والسياق لم يعد هو السياق، فالرئيس القادم سيكون بمثابة كيس الملاكمة الذى سيتلقى الضربات مثله مثل رئيس الوزراء وعلى الحكماء أن يبتعدوا حتى تعبَّد الأرض للسباق وحتى ينجلى الغبار ويظهر ضوء الصباح فى الأفق من جديد.