من كل قلبي الذي انفطر حزنا وانكسارا على اللاجئين السودانيين الذين راحوا ضحية عنف السلطة في كل من مصر والسودان ، فنيل السودان لم يكن كافيا لإرواء عطشهم رغم مياهه العذبة ، ونيل مصر لم يكن قادرا على استيعابهم كما استوعب ملايين المهاجرين من صعيد مصر إلى قاهرة المعز. لابد للنيل أن يعتذر عن خطئه المتكرر في حق أبنائه في مصر والسودان ، هل عجزت مصر أن تستوعب هؤلاء النفر وهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة من السودانيين الذين ارتضوا بمصر وطنا ورضيت بهم مصر أبناء مخلصين على مدار التاريخ ، ذلك التاريخ الذي عبرت عنه أفلام السينما وبرامج التلفزيون ومقالات الكتاب وإبداعات الفنانين السودانيين على أرض مصر المحروسة ، ذلك التاريخ الذي لم يمر بمرحلة دموية مثل تلك التي اختتمت بها السلطة في مصر عامها الدموي 2005 لا بد للنيل أن يعتذر لنا نحن المصريين في كل أرجاء الدنيا عن تلكم المشاهد التي آت مشاعرنا وجعلت من مصر شعبا دمويا وهمجيا متعطشا للدماء والدليل تلك الدماء التي سالت في مظاهرات الإصلاح وأثناء الانتخابات واليوم وفي قلب ميدان مصطفي محمود ذلك الميدان الذي كان يشهد حضورا شعبيا لصلاة العيد لا تكاد تعرف من هو المصري ومن هو السوداني . لا بد للنيل أن يعتذر عن كل قطرة ماء جلبوها من قلب مياهه ليفرقوا بها المتظاهرين ! ولابد للنيل أن يعتذر عن كل قطرة دم سالت من جريح بقى على قيد الحياة أو شهيد راح في سبيل الله أو في سبيل لقمة العيش والحرية لابد للنيل أن يعتذر لأن أبناء النيل في مصر من كتاب ومؤلفين ومفكرين لم يتعبوا أنفسهم ليكتبوا عن مأساة أخوتنا السودانيين في مصر أو لربما لم تأتهم الأوامر ، لم نقرأ المانشيتات العريضة التي تتحدث عن وحدة مصر والسودان ولا عن التاريخ والجغرافيا وعن وحدة المصير !ولعلهم في صمتهم كانوا أفضل من هؤلاء الذين خرجوا عبر الفضائيات ليتهموا القتلى بأنهم لم يحسنوا الاختيار وأن قرارهم برفض ما طرح من حلول يعني تلقائيا اختيارهم الموت ! لابد للنيل أن يعتذر لأن البشر في مصر وفي السودان لا يعرفون معنى الاعتذار ومنذ متى يعتذر الحكام العرب أو المسئولين رغم أخطائهم القاتلة ، ولماذا يعتذر هؤلاء ولمن يعتذرون ، لو كان القتلى أمريكان أو يهود أو أوربيين من بلغاريا مثلا لربما اعتذرت السلطات عدة مرات وأقرت واعترفت وقدمت تعويضات أما السوداني المسكين الذي فر من هول الجوع ليجد آلة القتل فلا ثمن له ولا تعويض عن قتله ولا جرحه . تابعت المأساة وشاهدت الصور على موقع BBC على شبكة الانترنت وتوقفت عند صورة طفل يحاول بعض المسعفين إسعافه ولكن وكما قال تعليق الموقع ( نقلوه ولكن لم يبق طويلا فقد مات ) وشاهدت صورة لبعض جنود الأمن المركزي وهم يحملون امرأة عجوز بدينة بعد أن أغمي عليها من جراء الرش بخراطيم المياه وقد بدت على وجهيهما علامة الأسى والحسرة وكأنهما يقولان للكاميرا ( نعتذر عما حدث ولو سرا فلا يمكننا الاعتذار علانية ) وعلى شاشة التلفزة شاهدت ضابطا مصريا يضرب أحد السودانيين بشدة وبقسوة وبطريقة مهينة وهو يدفعه نحو سيارة التراحيل ، وشعرت بالأسى والحزب والخجل والعار ، صحيح أن هذا المشهد يتكرر أحيانا في وسط العاصمة المصرية مع كل مظاهرة تخرج وتكرر كثيرا أثناء الانتخابات ولكننا شعب مضياف يحب الناس ويحب الخير للعالمين ويحب السودانيين حبا لا يعلم مقداره إلا الله ، نعم نحب الشعب السوداني المثقف والمفكر والصابر والصامد رغم قسوة الزمن والسلطة والجغرافيا وأمريكا لا بد للنيل ومن يعيش على ضفافه أن يعتذر لإخوتنا في السودان، ولا بد للسلطة في السودان أن تعتذر بدلا من مطالبة اللاجئين أن يرحلوا من مصر ويعودوا ولو كان ذلك خيارهم من الأصل فلماذا هجروا بلادهم ؟ لا بد للنظام في السودان أن يعتذر عن أخطائه المتكررة في حق شعبه وأن يدرك أنه لا كرامة لنظام لايراعي كرامة أبنائه. وإذا ما اعتذر النيل فيجب على المفوضية العليا لشئون اللاجئين أن تعذر هى الأخرى فمجرد غسل يدها من قتل اللاجئين على يد الشرطة وادعائها بأنها لم تطلب قتلهم بل طردهم يؤكد عجز تلك المفوضية وتراجع دورها في عالم يموج بالمهاجرين واللاجئين . وقبل أن يعتذر النيل أتوجه كمواطن مصري لكل أخ وشقيق سوداني شاهد تلك المأساة عبر وسائل الإعلام المختلفة بالاعتذار العلني عما حدث ويعلم الله كما صغرت قامتي وتراجعت هامتي وأنا أشاهد ما حدث وأعرف تمام المعرفة أن التاريخ لن يرحم هؤلاء القتلى وإن كانت السلطة سترفع من شأنهم كما هي العادة . وصدق الشاعر: في هذا الزمن الخزيان قد تصغر حتى قدميه قامة أطول إنسان ! [email protected]