دأب الرئيس عبدالفتاح السيسي على دعوة المصريين للتقشف، وضرورة الترشيد في استهلاكهم للخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه، والحياة المعيشية ودعواته لهم مرارًا وتكرارًا لتحمل أعباء الاقتصاد المصري المتدهور و"أشلاء الدولة" التي يعيشون فيها، كما أنه لم يخفِ ضيقه بالعدد الكبير لموظفي القطاع الحكومي والبالغ 6ملايين ونصف المليون موظف. لكن مطالب السيسي المتكررة في خطاباته للمواطنين ب"التقشف" لاتتطرق مطلقًا للوزراء والمسئولين الذين يحصلون على رواتب ضخمة من خزينة الدولة. وفي عام 2015، صرح المتحدث باسم مجلس الوزراء بأن راتب الوزير يبلغ 32 ألف جنيه، لكن الدكتور عماد مهنا، رئيس اللجنة المركزية لمجلس علماء مصر، أكد أن رواتب بعض الوزراء في مصر فعليًا تصل إلى 3ملايين جنيه، وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي. وأضاف أن الأزمة ليست في الأرقام التي تعلنها الحكومة، ولكن في البدلات والمكافآت التي لا يتم إدراجها في الكشوف الحكومية، وإنما يحصل عليها المسئولون من الصناديق الخاصة الموجودة في معظم الوزارات. وأوضح أن الثلاثة ملايين التي يحصل عليها بعض الوزراء موزعة ما بين المرتب والمكافآت الخاصة وبدلات السفر والإقامة. وقال المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات في تصريح سابق، إن هناك ما يقرب من 312 جهة إدارية في مصر لا تخضع لمراقبة الجهاز، تأتي على رأسها المخابرات العامة والحربية، وغيرهما من المؤسسات، مثل وزارات الدفاع والعدل والداخلية. وأضاف أن "تعمد إخفاء بيانات الهيئات الحكومية المختلفة يعود إلى رغبتهم في إخفاء رواتب المستشارين التابعين لهذه الجهات، بسبب المغالاة في رواتب هؤلاء". وأعلن اللواء أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، في ديسمبر الماضي, أنه طبقًا لبيانات آخر بحث أجراه الجهاز وأعلن نتائجه، فإن نسبة الفقر العامة في مصر تقدر ب26.3%، لافتًا إلى أن إقليم الصعيد يعد الأكثر فقرًا داخل الدولة، حيث تتراوح نسب الفقر به 50%. وأضاف الجندي في تصريحات صحفية، أن محافظة أسيوط هي الأكثر فقرًا داخل الجمهورية على الإطلاق، حيث تعدت نسبة الفقر بداخلها 60%، وذلك وفق البحث الأخير الذي أخرجه جهاز التعبئة والإحصاء، تليها سوهاج وقنا والمنيا وأسوان، مشيرا إلى أن المحافظات الحضرية هي الأقل في نسبة الفقر نظرا لعدم وجود ريف بداخلها، حيث يقل فيها الفقر عن 17%. وبعد إقرار السيسي قانون الحد الأقصى للأجور عام 2014، كان الاستثناء الوحيد من هذا القانون هم هيئات التمثيل الدبلوماسي والقنصلي والتجاري، لكن فيما بعد أصدر القضاء عدة أحكام قضت ببطلان سريان القانون على كل من القضاة وأعضاء النيابة والعاملين ببنوك "التعمير والإسكان" و"المصري لتنمية الصادرات" و"بنك القاهرة" والشركة المصرية للاتصالات، ليصبح القانون أشبه بالمفرغ من مضمونه خاصة أن تلك الفئات هي التي طالب الشعب بخضوعها للقانون تحديدًا من أجل تحقيق مطلب العدالة الاجتماعية المنشود. وقال الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية, إن "الوزراء لا يطبقون حالة التقشف لأنهم فئة مختلفة عن الشعب". وأضاف صادق ل"المصريون"، أن "هناك بعض الوزارات يتبعون سياسات تضر بميزانية الدولة", موضحًا أن "بعض الوزارات عندما تبعث مندوبين لها لبعض الدول تبعث أكثر من عشرة أفراد، مع وجود أعلى خدمة تقدم لهم وسفرهم على أعلى درجة، في حين إن المهمة يمكن أن يقوم بها فرد واحد وباقي المصاريف ترجع لخزينة الدولة". وتابع "الوزراء يعيشون في حالة من الرفاهية على حساب الشعب, حيث السيارات الرفاهية بجانب الحراسة الخاصة، في الوقت الذي من الممكن الاستغناء عن كل هذا مقابل سيارة متوسطة الرفاهية". وأوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن "من دور مجلس النواب مراقبة سلوك الحكومة والمدافعة عن حقوق الشعب المسلوبة , وإصدار تشريعات تلزم الوزراء بإتباع حالة التقشف لأنهم طبقة من الشعب". وأشار إلى "أن هناك إجراءات لازم تطبق من مجلس النواب في حديد بدل السفر والتنقلات، ومراقبة الاحتفاليات الخاصة بالوزراء". وأكد أن "الإعلام له دور في مراقبة سلوك الوزراء بصفته سلطة رقابية, فهناك العديد من المخالفات التي تؤثر بالسلب علي خزينة الدولة, مثل زيادة المرتبات, وتعيين أشخاص بالمجاملة, لكن الإعلام يغض بصرة عن هذه المخالفات".