المعروف أن جسم الإنسان الناضج به ما يقرب من 37 بليون خلية، متنوعة، كل خلية بها نواة تحتوي علي شريط دي إن إيه طوله مترين (في صورة 46 كروموسوم، لك أن تتخيل طول كل محتوي بلايين الخلايا من دي إن إيه في أي إنسان والذي قدره العلماء بأنه يكفي لربط المسافة بين الأرض والشمس 500 مرة وسحان الله الخالق البديع). يحتوي دي إن إيه علي حوالي 3 بليون من أزواج القواعد النيتروجينة (يتم إختصارها بالاحرف أ، ج، س، ث) تضم حوالي أكثر من 30 ألف جين، سعة إختزان المعلومات في الخلية البشرية الواحدة لو تم كتابتها بهذه الأحرف في مجلدات لإتسع حجمها لما يقرب من ثلاثة أضعاف الموسوعة البريطانية بكل أجزائها الثلاثين. تلك المادة الوراثية الموجودة بالنواة تتوارثها الأجيال من الآباء مناصفة وحسب ترتيب القواعد النيتروجينية تنتقل الصفات للأبناء حسب سيادة الجينات وتأثيرها. لماذا إذن نرث جزء من "دي إن إيه "DNAإضافي من الأم فقط –غير الذي نرثه من كلا الوالدين-في الخلايا بأجسادنا من خلال جسيمات تسمي "ميتوكوندريا mitochondria" أي الحبيبات الدقيقة والتي تعتبر مركز لتخزين الطاقة والنشاط بالخلايا. ظل العلماء لوقت طويل يعتقدون أن مادة "دي إن إيه" تكمن فقط في النواة بالخلية، لكن في عام 1963م وعن طريق فحص الخلايا بالميكروسكوب الإلكتروني تمكن إثنين من العلماء (مارجيت وسيلفان) بجامعة إستوكهلم من إكتشاف دي إن إيه آخر موجود خارج النواة بالخلايا وهو الموجود بعضيات الميتوكوندريا. يعتبر الجزء من دي إن إيه بالميتوكوندريا صغير جداً مقارنة بالمحتوي الكلي للخلية من دي إن إيه، حيث يحتوي فقط علي 37 جين من أصل حوالي 25 ألف جين يتم التشفير من خلالها لتكوين البروتينات التي تحتاج إليها الخلية في كل أنشطتها الحيوية. يمكن تمييز ذلك الجزء الصغير من دي إن إيه الخاص بالميتوكوندريا عن الذي بالنواة عن طريق تتبع إنتقاله من الأم فقط بينما الموجود بالنواة هو قادم من كلا الأب والأم بالتساوي. من غير المفهوم حتي الآن سر عدم إنتقال دي إن إيه لميتوكوندريا خلايا الأب لخلايا النسل في الإنسان، مما جعل فريق من الباحثين يقومون حديثاً بدراسة ميتوكوندريا الحيوانات المنوية لبعض أنواع الديدان الحلقية تسمي Caenorhabditis elegans كي يجدوا تفسيراً لهذا السر. نشرت نتائج دراستهم-بحثهم-هذه منذ أيام (يونية 2016) في مجلة ساينس Science حيث أوضحت هذه النتائج أن الميتوكوندريا الخاصة بالأباء في هذا النوع من الديدان تحتوي علي آلية تدمير ذاتي، ويتم تنشيط تلك الآلية عند بداية إندماج الحيوان المنوي مع البويضة. أوضح العلماء من خلال التجربة أن تعطيل تلك الآلية-التدمير الذاتي-تؤدي إلي بقاء ميتوكوندريا الأب في الجنين الحديث لكنها تعمل بشكل سلبي علي إحتمالية بقاء الجنين حياً بمعني أن فرصة أن يعيش تبقي قليلة مقارنة بالأجنة التي تخلو من ميتوكونريا الأباء، لذا تُعد هذه المعلومات فرصة للعلماء كي يفسروا وجود بعض الأمراض الوراثية وأيضاً لتحسين وتطوير تقنيات الحقن المجهري والإخصاب خارج الرحم. البروفيسور هوستين جون من معهد الأبحاث الطبية بإستراليا-ليس من فريق البحث-علق علي تلك النتائج قائلاً إن نقل دي إن إيه الميتوكوندريا من الأم إلي نسلها والذي يسمي maternal inheritance تحدث في الإنسان وكذلك غالبية الكائنات عديدة الخلايا، وتلك الحقيقة تُسهل للباحثين والعلماء لإجراء إختبارات في مجال الوراثة لتعقب توارث دي إن إيه من الأمهات الي بناتها عبر الأجيال، لذا إذا بحث وتعقب العلماء عن هذه المادة التي تتوارث يمكنهم التوصل للأم-يقصد حواء-التي نقلته للإنسانية جمعاء من خلال الميتوكوندريا التي كانت موجودة بخلاياها. قبل الحصول علي تلك النتائج كان يُعتقد أن المادة الوراثية المنقولة من الأم عبر الميتوكوندريا تحدث بتناسق وتوافق عمليات تتم داخل خلايا بويضات الأم، هكذا صرح البروفيسور دينج زو وهو أحد الباحثين المشاركين في البحث والذي أوضح أيضاً أن جسيمات بلعمية ذاتية تُدعي "أوتوفاجوسوم autophagosome " تقوم بإحتواء وبلعمة engulf ميتوكوندريا الأب وذلك عقب فترة قصيرة من دخول الحيوان المنوي البويضة لتخصيبها. أضاف الباحث "زو" وفريقه أن ميتوكوندريا الأب في الديدان الحلقية تبدأ حقيقة في التحطم قبل أن تصل إليها الأجسام البلعمية الذاتية وذلك بما يُسمي "آلية الإنتحار الذاتي". عن طريق تحليل أر إن إيه RNA لميتوكوندريا الأب في المراحل الأولية لتكوين الجنين، إكتشف الباحثين جين جديد تم تحديده وتعريفه وسُمي "CPs-6 " والذي يُحتمل أنه المسئول عن عملية تحطيم ميتوكوندريا الأب حيث أنه يشفر لإنزيم يعمل علي تحطيم الأغشية الخارجية والداخلية للميتوكوندريا، لذا وجد الباحثين انه بإزالة هذا الجين ينجم عنه أن تظل ميتوكوندريا الأب تظل فترة طويلة بخلايا الجنين مما يتسبب في موت الجنين بنسبة عالية . لذلك فإن الله سبحانه وتعالي من حكمته أن لا تظل ميتوكوندريا الإنسان بالجنين حتي لا تتسبب في ظهور أمراض بالمواليد.