أسرته: اختفى منذ 60 يومًا.. والكنيسة تتكتم على الأمر «الخارجية السعودية» تعاملت معنا أفضل من المسئولين في مصر .. و«الخارجية» المصريون طردتنا..
الفقد أشد حالة من حالات الحزن، حينما تفقد قريبًا وأنت تعلم مصيره؛ فتلك مصيبة لكن أن تفقد شخصًا دون أن تعرف شيئًا عنه، هل يعيش وكيف يصير؟ فتلك المصيبة أعظم، تتعلق في حبال الأمل، بأن تأتيك أخباره فتضطرب حواسك وينخلع قلبك من بين أضلعك مع كل هاتف يرن أو جرس باب يدق أو "ترف" عينيك وتتسارع دقات قلبك وضربات نبضك مع كل رؤيا وحلم؛ بأن تراه وتطمئن عليه مرة أخرى. 60 يومًا من المأساة والمعاناة عاشتها أسرة السائق المصري المختطف في الأراضي السعودية؛ تجرعوا خلالها قسوة الفقد، وتحولت أفراحهم وجلساتهم إلى مآتم؛ انتظارًا لعودته أو معرفة أخباره أو حتى الاطمئنان عليه بأي ثمن. 10 فراد كانوا في استقبال محرري "المصريون" داخل شقة بمنطقة المسرة؛ تتكون من حجرتين لأسرة بسيطة، يأملون بنقل معاناتهم إلى الجهات الأمنية والمسئولين المصريين؛ لتدارك الأمور، ولتبحث عن فقيدها المصري المختطف في السعودية بعد أن ذاقوا الأمرين؛ بحثًا عن أي أمل دون جدوى؛ لم يجدوا سوى "التطنيش" - كالعادة - من المسئولين في وزارة الخارجية والسفارة. تحكي زوجة الضحية، عادل ميخائيل عبد الباقي، تفاصيل اختطاف زوجها من داخل أراضي السعودية، بالقرب من مقر عمله، والتي استمر العمل بها لمدة ثماني سنوات على التوالي دون وجود عوائق، كسائق لمعدات ثقيلة بإحدى شركات الأسمنت التابعة لرجل أعمال سعودي. تقول زوجته، إنه اعتاد خلال تلك الفترة مكالمة الأسرة مرتين يوميًا على الأقل؛ للاطمئنان عليهم، وعلى باقي أفراد العائلة، وليكسر حاجز الغربة الذي يعيشه، واستمر على هذا النحو طوال مدة سفره؛ حتى توقف الاتصال فجأة وبدون سابق إنذار في يوم 13 إبريل 2016.
بعد انقطاع اتصال ميخائيل عن الأسرة، انتابتهم حالة من القلق والخوف، وسيطرت هواجس مخيفة عليهم؛ فقاموا بالاتصال بزملائه في العمل بالأراضي السعودية؛ للاطمئنان عليه. تقول السيدة الأربعينية، والدموع تختلط بكلماتها، فتصنع موجات حزينة لخيط ممتد من الألم، إن زملاء المفقود أخبروها أنه متغيب عن العمل منذ فترة دون معرفة الأسباب، وأن الأجهزة الأمنية في السعودية تقوم بعملية البحث والتحري؛ بعدما أبلغتها جهة العمل، وبالفعل تم العثور على سيارته الخاصة داخل إحدى المناطق الجبلية النائية، والتي تبعد عن منطقة "رابغ" بآلاف الكيلومترات، وتبعد عن مدينة جدة ما يقرب عن 160 كيلومترًا، دون العثور على أشياء أو متعلقات أخرى، فجميع متعلقاته الشخصية داخل السيارة. لم يكن تغيبًا وإنما اختطاف؛ هكذا تؤكد السيدة الأربعينية حالة زوجها، وهو أب لابنتين فقط، كما أنه يرعى عائلة تتكون من 7 أفراد يتحمل مصاريف علاجهم، لتنفي شائعة اتهام أنها عملية خطف طائفية أو دينية؛ لتوضح أن هناك عمالًا قبطيين يعملون في نفس العمل، ولم يتم التعرض لهم؛ مما يضعهم في حيرة وترقب. فيما تستكمل الزوجة، إن زوجها قرر عدم السفر مرة أخرى أثناء عرس ابنته الكبرى، إلا أن الظروف الاقتصادية أجبرته على السفر مرة أخرى؛ ليكون وداعًا بلا استئذان. وعن معاناتها مع المسئولين المصريين دون جدوى، تقول السيدة، إنهم تقدموا بعدة استغاثات ونداءات لوزارة الخارجية المصرية؛ للتدخل للبحث عن فقيدهم الذي يتميز بالسمعة الطيبة، والتي كانت كفيلة باستمراره في العمل داخل الشركة لمدة 8 سنوات، وتم حصوله على الترقيات التي منعته من السفر إلى مصر قبل الواقعة بيومين، كما أنه ليس لديه عداوة مع أحد، وأنه يمتاز بالمحبة بين جميع زملائه، وليس له أي انتماءات سياسية. معاناة الأسرة كانت بوزارة الخارجية؛ للبحث عن فقيدها فاجأهم الرد كالصاعقة؛ ليزيد من خيبة أملهم، بعدما أبلغهم مسئول أنه لا يستطيع أن يفعل لهم شيئًا ولا يمكنه مساعدتهم، بل طردهم من على باب الدخول؛ حسبما تروي مارينا، ابنة الضحية. وتروي مارينا مأساتها مع موظف الاستقبال أمام الباب الرئيسي لوزارة الخارجية عندما حضر مسئول كبير، وشخصية أهابت جميع الحاضرين، وتمت مقابلته بالترحاب والتهليل من قبل المسئولين السعوديين، وعندما سألته لماذا سمحت له بالدخول؛ رد عليها قائلاً: "إن نجله مصاب بحادث أليم في السعودية ولابد من السماح له وعنفها على سؤالها". وأضافت ماريا: بعد سلسلة معاناة واشتباكات بالألفاظ سمح لنا الموظف بأخذ بيانات فقيدهم، ولم تكن كاملة، في حالة من التعجل والتسرع "نفضولنا"، وقام بكتابة اسم والدها فقط دون التطرق إلى جهة العمل، ومتى اختطف، ودون سؤالها عن باقي التفاصيل التي تدل على الاهتمام وقام الموظف المسئول بكتابتها على ظهر ورقة "نتيجة" وألقاها دون اهتمام على مكتبه، بعد هذا المشهد فقدت الأسرة الثقة في حصولهم على مستحقاتهم من المسئولين، وأن عناية الله فقط هي مَن ستتدبر الأمر. تلتقط أم الضحية، أطراف الحديث؛ لتوضح حال انهيار الأسرة، وعذاب القلق الذي يعيشون فيه، والصعوبات التي تواجههم قائلة: "عاوزة ابني"، بدموع البكاء والحسرة لتدخل في حالة نفسية سيئة؛ ولتنهي الحديث، قائلةً: لماذا يعاملون المصريين بهذه الطريقة غير الآدمية في بلاد الغربة؛ خاصة أنهم يسعون على لقمة عيشهم ومصدر رزقهم. كما توجهت الأسرة إلى باب آخر لعل تجد فيه رجاءً، وهو الكنيسة المصرية؛ لتعرض عليها مشكلاتهم، إلا أنهم فوجئوا بالرد عليهم أن الأنبا تواضروس خارج البلاد، ولابد من انتظاره لحين عودته حتى يتدخل لدى السلطات، الأمنية للبحث عن ذويهم؛ خاصة أنهم لم يتلقوا أي اتصال هاتفي من المخطوفين، أو أي جهة أخرى تتبنى عملية الخطف؛ ليدخل ميخائيل ضمن دوائر المصريين الذين اغتالتهم دوائر الإهمال، كما أنهم مستعدون للدفع بأي فدية مقابل الإفراج عنه. لجأت الأسرة لجهودها الذاتية في البحث والتحري، وقامت بإيفاد شقيق المخطوف إلى الأراضي السعودية، وقدموا عدة بلاغات في السفارة السعودية هناك، تفيد بغياب المذكور بعد محاولات عديدة؛ للبحث داخل الأقسام والمستشفيات. تعاملت السلطات السعودية مع المشكلة برمتها، كان التعامل الأفضل على الإطلاق - كان ذلك على لسان زوجة المخطوف عادل ميخائيل - فقامت السلطات السعودية بعدة حملات وطلعات جوية بالطائرات السعودية داخل المناطق الجبلية وخارجها؛ للبحث والتحري على مدار 60 يومًا دون التطرق إلى جديد، بل وقامت الشركة التي يعمل بها باستخدام الطائرات التي لديها بعمليات مسح ذري على المناطق المجاورة في رحلة بحثية عن المفقود. لكن السلطات السعودية أبلغتها على لسان شقيق زوجها أن المفقود تم اختطافه من سيارته الخاصة إلى سيارة الخاطفين، وعندما قامت الأجهزة الأمنية بالبحث والتحري؛ تم العثور على موضع أثر لقدم واحدة بجوار سيارته المتروكة داخل الجبال؛ مما يعني أن الخاطفين عدد من الأشخاص، خاصة أن المخطوف يمتاز بالفحولة والبدن القوي الذي يستطيع مقاومة الأشخاص، وتم اقتياده داخل سيارة "جيب شروكي"؛ دون ذكر مواصفتها. لكن ثمة تسريبات وصلت إلى مسامع الأسرة عن الحجز داخل المعتقلات في السجون السعودية، والتي تستمر مدة الاستجواب لمدة تتجاوز 6 أشهر، وبعدها يتم الإعلان عن المتهم، لكن الأسرة لم تتأكد من صحة تلك المعلومات. تستكمل ماريان، الشابة العشرينية من عمرها، الحديث قائلةً، بدأت في التوصل إلى الجهات الإعلامية؛ حتى فوجئت بطلب بعض المعدين بالبرامج الإعلامية مبلغًا قدره 10 آلاف جنيه، مقابل ظهورهم في حلقة إعلامية. وتؤكد ربة المنزل، أن زوجها متسامح في عمله، ويحمل سورة "الكرسي" على هاتفه، بل ويستمع لها يوميًا للتبرك بها، وكان صاحبه قد أهداه إياها، ولتؤكد أن الحدث لم يكن طائفيًا، خاصة أن زوجها يعانى عدة أمراض مزمنة هي السكر والضغط، وينتابهم القلق لعدم حصوله على تلك الأدوية. وتستطرد ربة المنزل حديثها قائلةً: الخارجية السعودية تعاملت معنا أفضل بكثير من نظيرتها المصرية، والتي استقبلتهم بصدر رحب، وبطريقة كريمة في الوقت الذي لاقت إهانة كبيرة في بلدها مصر، وطالبت الأسرة الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتدخل الفوري لإطلاق سراح فقيدهم في الخارج، موجهين رسالة له "ابنك يا ريس لا تتركه في المصير المجهول".