خبراء: النظام يمارس سياسة المحاباة مع البعض ويكشف الآخر.. نافعة: إقالة جنينة كشفت نية الدولة في عدم محاربة الفساد.. و"شركاء من أجل الشفافية": يطالب بإصدار قانون حماية الشهود والمبلغين في إطار الضربات التي توجهها هيئة الرقابة الإدارية لمسئولين بارزين داخل الحكومة، جاء إعلان الأمن القبض على مستشار وزير الصحة لشئون أمانة المراكز الطبية المتخصصة، الدكتور أحمد عزيز، متلبسًا بتقاضي رشوة مالية بمقر ديوان عام وزارة الصحة، ليكون بذلك ثاني ضربة يتلقاها مسئولان بارزان في الحكومة خلال أقل من 7 أشهر بعد واقعة القبض على وزير الزراعة السابق صلاح هلال في القضية المعروفة إعلاميًا بفساد وزارة الزراعة، كما يأتي امتدادًا لعديد من وقائع تلبس لعدد من مسئولين منذ وصول السيسي مقاليد الحكم، بحسب هيئة الرقابة الإدارية. وتمكنت الرقابة الإدارية خلال الآونة الأخيرة من ضبط العديد من المسئولين البارزين داخل الحكومة في تهم فساد وتلبس بتقاضي رشاوى. وكانت مجموعة تابعة لهيئة الرقابة الإدارية، عثرت على 6 شيكات حصل عليها المسئول الكبير في وزارة الصحة كرشوة مالية قدرها 4.5 مليون جنيه من إحدى شركات الأجهزة والمستلزمات الطبية في قضية توريد أجهزة لوحدة النخاع الشوكي بمعهد ناصر. وقد أعادت واقعة ضبط مسؤول وزارة الصحة، العديد من الوقائع المشابهة لعل أبرزها، القبض على وزير الزراعة صلاح هلال، بعد دقائق من استقالته. وفي إبريل الماضي قضت محكمة الجنايات بحبس وزير الزراعة صلاح هلال ومدير مكتبه بالسجن عشر سنوات. وفاجأ العشرات من أعضاء الرقابة الإدارية في سبتمبر الماضي، وزير الزراعة الدكتور صلاح هلال، وتوقيفه في ميدان التحرير، عقب خروجه من مجلس الوزراء بعد تقديم استقالته لرئيس الوزراء آنذاك المهندس إبراهيم محلب. وذكر بيان أصدرته النيابة العامة أن القضية تتعلق برشى للوزير ومدير مكتبه، الذي ألقت السلطات القبض عليه منذ أكثر من أسبوع، وذلك مقابل تخصيص قطعة أرض من أملاك الدولة مساحتها 2500 فدان للمتهم بتقديم الرشى والذي ألقى القبض عليه أيضًا. وذكر البيان: "تبين أن الهدايا موضوع الرشاوى تمثلت في عضوية عاملة بالنادي الأهلي بمبلغ 140 ألف جنيه لأحد المتهمين ومجموعة من الملابس من أحد محلات الأزياء الراقية قيمتها 230 ألف جنيه والحصول على هاتفين محمولين قيمتهما 11 ألف جنيه وإفطار في شهر رمضان بأحد الفنادق الكبرى بتكلفة قدرها 14 ألفًا و500 جنيه". وأضاف أن من بين الرشا "طلب سفر لأسر المتهمين وعددهم 16 فردًا لأداء فريضة الحج عن طريق إحدى الشركات السياحية بتكلفة 70 ألف ريال سعودي للفرد الواحد وطلب وحدة سكنية بأحد المنتجعات بمدينة السادس من أكتوبر قيمتها 8 ملايين و250 ألف جنيه". الدكتور ولاء جاد الكريم، مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، يقول إن الفساد كان أحد أسباب اندلاع ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مؤكدًا أن الفساد بات متشعبًا داخل الوزارات والهيئات الحكومية على مدار أربعين عامًا. وتساءل مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، هل ما يتم الكشف عنه من وقائع فساد في ذلك الوقت إيجابي أم سلبي؟، مؤكدًا بأنه لا يدع مجالاً للشك أن ما تقوم به الدولة من كشف فساد إيجابي. وتابع: "وهل هذا كافٍ؟، مضيفًا لا بالطبع ناقص، مشددًا على أن الدولة في حاجة لثورة وحزمة من التشريعات والقوانين، فضلاً على تحرير الآليات بشكل أكبر من ذلك من الناحية المالية والإدارية والفنية، لافتًا إلى أن ذلك من اختصاصات البرلمان وهو المنوط به سن تلك التشريعات، داعيًا لإصدار قانون حماية المبلغين والشهود. وأوضح جاد الكريم، أن سن القانون سيفتح الباب للكشف عن وقائع فساد داخل الهيئات الحكومية، لاسيما وأن جهاز الرقابة الإدارية المنوط به التحقيق في وقائع الفساد لا يتحرك إلا بناء على بلاغات مقدمة من الشهود والمراقبين، مضيفًا أن تهديد حياتهم قد يمنع الشهود من الإدلاء بشهادتهم. وعقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في 2014، كانت أولى ضربات الرقابة الإدارية بضبط مدير مكتب وزير الاستثمار بمقر الوزارة، ووجهت بعدها الرقابة الإدارية اتهام الفساد المالي، وتقاضي رشوة قدرها 10 آلاف دولار من أحد المستثمرين المتعاملين مع الوزارة للمسئول مقابل معاونته فى الحصول على بعض قطع الأراضي المميزة، بغرض إقامة مشروعات عليها. إلى ذلك فإنه رغم كشف فساد العديد من المسئولين وضبطهم في تهم تتعلق بتقاضي رشاوى إلا المثير أن عددًا لا بأس به من الوزراء والمسئولين وجهت لهم اتهامات مباشرة بالفساد، ولم يحقق فيها رغم ظهور أدلة قوية، فضلاً عن أن إقالة المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، شكك في نية النظام لمحاربة الفساد، بحسب خبراء. أكد الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن ما تم الكشف عنه في قضية وزارة الصحة أقل بكثير من الحجم الحقيقي للفساد في مصر، مضيفًا أن الدولة غير جادة في مكافحة الفساد. وأوضح نافعة في تصريحات ل"المصريون" أن الدولة لو كان لديها رغبة حقيقية في كشف الفساد ومحاسبة مرتكبيه لما تعاملت مع المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات بهذا الشكل، ولتعاملت مع القضايا التي أثارها بجدية. واستشهد أستاذ العلوم السياسية، بقضية الأموال المهربة في الخارج، وما ذكره وزير الخارجية الأمريكي كيري بشأن أموال مبارك في الولاياتالمتحدة متسائلاً: "لماذا لم يتم اتخاذ إجراءات في سبيل استرداها، مؤكدًا في الوقت ذاته أن الدولة لم تقنع أحدًا إلى الآن بأنها تسعى إلى كشف الفساد في مصر. وفي فبراير الماضي، كشف النائب البرلماني أحمد بدران، عما أسماه بوقائع فساد داخل وزارة الأوقاف، لافتًا إلى أنه في صدد الإعداد لطلب إحاطة لعرضه على مجلس النواب، تمهيدًا لاستجواب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، للرد على هذه الاتهامات. وقال بدران في تصريحات إعلامية، إن وزير الأوقاف أمر بصرف حوافز بآلاف الجنيهات للمقربين منه دون وجه حق، موضحًا أن لديه مستندات تؤكد صدق ما يقول. وأشار إلى أن هناك تقارير صادرة عن الإدارة المالية تشير إلى قيام وزير الأوقاف بتسفير زوجته وأولاده على نفقة الدولة ضمن البعثة الرسمية للحج، وعدّد أيضًا بعض الوقائع منها تسبب مختار جمعة في تراجع أرباح شركة المحمودية للمقاولات التابعة لهيئة الأوقاف. ولم يتوقف عند هذا الحد، فقد أفادت مستندات تسربت من داخل وزارة الأوقاف المصرية، أنه تم تشطيب شقة وزير الأوقاف، الدكتور مختار جمعة، بالمنيل، على نفقة الوزارة بنحو 772 ألف جنيه، وهي الشقة التي اشتراها الوزير من مقاول يعمل مع هيئة الأوقاف يدعى سيد عبدالباقي بنحو 60 ألف جنيه فقط "مجاملة". وكشفت المستندات التي تداولتها عدة مواقع صحفية، أن هيئة الأوقاف كلفت شركة "المحمدي" التابعة للهيئة، بتشطيب الشقة التي أثيرت حولها الشبهات والكائنة بالطابق الرابع- عمارة 8- شارع المتحف بالمنيل. ورغم ظهور ما يفيد بوقائع فساد داخل الأوقاف، إلا أنه لم يتم التحقيق فيها وظل مختار جمعة وزيرًا، ليكون بذلك من أقدم وزراء السيسي رغم تغيير الحكومة أكثر من مرة منذ 30 يونيو أي قبل تولي السيسي رئاسة الجمهورية. ويأتي اتهام رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب في قضية القصور الرئاسية المدان فيها الرئيس المخلوع مبارك ونجليه بالسجن 3 سنوات، الأبرز بين المسئولين الكبار، من قبل محكمة جنايات القاهرة، حيث صدر أمر ضبط وإحضار من النيابة العامة لمحلب أثناء إقامته في السعودية، إلا أنه قام بالاتصال بمحاميه قبل العودة لمصر في يوليو 2013 للاطمئنان على نفسه، وتم الإعداد لاستقباله على سلم الطائرة عند عودته واصطحابه إلى مكتب حازم الببلاوي رئيس الوزراء الأسبق لتكون المفاجأة بأدائه اليمين كوزير للإسكان، ومن ثم رئيس للوزراء، في 2014، ثم يقرر السيسي تعيينه مساعدًا له للمشروعات القومية في سبتمبر الماضي. وتساءل الدكتور مختار الغباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن السر في سياسة الانتقاء التي تنتهجها الدولة فيما تدعيه بأنه محاربة للفساد؟، مشيرًا إلى أن مجابهة الفساد في مصر حتى تكتسب مصداقيةً فلابد من تطبيق قواعدها كاملة بكل ما تستلزمه من إجراءات وآليات على الجميع بلا استثناء أو محاباة لأحد. وتابع الغباشي ل"المصريون"، أن الدولة إنما تريد بسياسة الانتقاء تلك، توصيل رسالة، مفادها أنها تقتفي أثر الفاسدين وتحاربهم من خلال كشفها عن رشوة وزارة الصحة، وقبلها قضية وزير الزراعة، وما يشبه هذه الأمثلة، في حين أنها تتغاضى عن قضايا أخرى أشد فداحة من ذلك وأكبر. وأوضح نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك شبهات متعلقة بأكثر من وجه من أوجه الفساد في مصر، وأن الأمر غير مقتصر على الفساد المالي فحسب، بل هو ممتد ليشمل الفساد الإداري والوظيفي أيضًا، عن طريق الولاءات أو المحاباة في التعيين والترقيات أو تقلد بعض المناصب، مشيرًا إلى أن انتصار عناصر مثل ضمان الولاء أو الثقة عند التكليف بمنصب على عناصر الخبرة والأحقية في التعيين هي السمة الأبرز لهذا العصر. ودلل الغباشي على ذلك بقوله، بأن معظم المحافظين في مصر «جنرالات»، مضيفًا أن هذا الأمر لا يوجد في الدول المحترمة، وأن بريطانيا على سبيل المثال تم مؤخرًا اختيار رجل مسلم من أصل باكستاني عمدة لعاصمتها، كما أن نائب محافظ البنك المركزي هناك سيدة مصرية. وقال الخبير السياسي، إن ملف الفساد في مصر شائك وليست له إجابة، وأن السؤال بشأنه لم يزل مطروحًا منذ عهد عبدالناصر إلى الآن ولا إجابة عليه، داعيًا إلى الإجابة عن السؤال: لماذا لم تتم مجابهة الفساد في مصر بآليات موحدة في مختلف القضايا ويتم تطبيقها على الجميع؟.