في خبر أوردته معظم وكالات الأنباء العالمية أن البرلمان الألماني (بوندستاغ) صوت بأغلبية ساحقة لصالح قرار يعترف بمذبحة الأرمن كإبادة جماعية على ايدي قوات الدولة العثمانية في خضم الحرب العالمية الأولى. في تصورى أن القرار في ظاهره الرحمة و في باطنه الصراع الحضاري بين الإمبراطورية العثمانية بإرثها الإسلامي واوربا المسيحية . أوروبا لا تريد أن تنسى ما فعلته الإمبراطورية العثمانية من توسعات على حساب الوجود المسيحي حين أقتطعت أجزاء كبيرة منها و أقامت خلافتها التي عاشت لقرون شلمت اصقاع كبيرة من العالم وورثتها بعد ذلك تركيا . ولكى نتفهم خلفيات القرار بشكل جيد دعوني أذكركم بمقولة مشهورة للمستشار الألماني ( المانياالغربية) "زعيم الحزب المسحيي الديمقراطي " هلموت شميت Helmut Schmidt . 1984 م . "لن نقبل بدولة إسلامية (تركيا) في الإتحاد الأوروبي ، فمازلنا نتذكر سنابك الخيول العثمانية وهي تغزو اوربا لتنشر فيها الإسلام" وما كتبه السيد مراد هوفمان(السفير الالماني) في كتابه الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود يؤكد أن العداء خفى ولم تستطيع أوروبا أن تنساه . وإذا سلمّنا بأن الحكومات الغربية ترعى كرامة الإنسان و حريته وتبحث عن الحقوق التاريخية للشعوب (المغلوبة على أمرها) حتى وإن مات أصحابها أو مضى على مظلوميتهم سنوات طويلة كفيلة بسيانها أو ردمهم في مقبرة التاريخ . لكن هل حقوق الإنسان من وجهة نظر الأوروبيين مرتبطة فقط بعرق أو جنس أو ديانة محددة دون غيرهم ؟. هنا نتسأل لماذا لم تخرج إعترافات غربية تدين سكان الولاياتالمتحدة الأوائل (الأوروبيين) لإرتكابهم إبادة جماعية بحق الملايين من الهنود الحمر السكان الأصليين وهذا بإعتراف الكثير من المؤرخين الأوائل ؟. هل يستطيع أي صاحب ضمير أن يتغافل عن الإبادة المتعمدة لأكثر من أثنى عشر مليون افريقي (زنجي) قتلوا غرقا (تجارة الرقيق) في رحلة الإستعباد التي قام بها الأوروبيين السكان الجدد للولايات المتحد أثناء نقلهم من موطنهم الأصلي إلى هناك عنوة ؟. أين الضمير الإوروبي من مئات الألاف من المسلمين الذين قتلتهم الحملات الصليبية (عشر حملات) على بلاد المشرق العربي لماذا لا نسمع عن إعترافات بأنها مثلت حرب إبادة للمسلمين وقادتهم هم من أشرفوا على هذه المذابح. بماذا نسمي ما حدث للفلسطينيين من مجازر على أيدي عصابات الهاجانا الصهيونية على مدى ستة عقود خلت ؟. ما هو التوصيف الدقيق لمقتل مليون جزائري إبان الإحتلال الفرنسي ؟. أين حق الملايين (اكثر من 40مليون) الذين قتلوا خلال الحربين العالميتين على أيدي المانيا النازية ؟. لا يمكن قبول هكذا قرار و لا يمكن فصله عن التاريخ العثماني سابقا وقيمة ومقام تركيا في الوقت الحاضر خاصة مع وجود نظام يقود الرئيس اردوغان الذي يعتبر نفسه أبناً باراً للخلافة العثمانية. إذا الإعتراف في هذا التوقيت لا يخلو ومن صورة إنسانية مغلفة بالكثير من الخبث السياسي والصدام الأيدولوجي المبطن بين الطرفين سياسي للضغط على النظام والدولة التركية بهدف تحقيق أكبر مكاسب مادية ومعنوية أو أضعف الإيمان . المثير في هذا الإعتراف أمران . الأمر الأول أنه حين كانت تركيا تديرها حكومات علمانية منبحطة تحت أقدام الغرب و تتسول مأكلها ومشربها لم نسمع عن هكذا إبادات . الأمر الثاني أنهم يحاولوا أن يعاقبوا الدولة التركية على ما فعلته الإمبراطورية العثمانية . خلاصة القول من كان بيته من زجاج لا يلقى الناس بالحجارة .