"ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه الانتهاكات بسابقتها".. الأربعاء الماضي حلت الذكرى الحادية عشرة على ما يعرف بيوم "الأربعاء الأسود"، وما "الأحد الأسود" عنها ببعيد، فقد عادت الذكرى على الصحفيين، وهم أسوأ حالاً، وفق حقوقيين، بعد أن اقتحم الأمن نقابتهم، واعتقل زميلين منها، فضلاً عما تعرض له الصحفيون من اعتداءات وتحرشات خلال عقد جمعيتهم العمومية، من قبل بلطجية، أو "المواطنين الشرفاء" كما يحلو للنظام تسميتهم، تحت أنظار الأمن. لا يختلف المشهدان كثيرًا، فقد كانت نقابة الصحفيين في كلا الواقعتين اللتين يفصل بينهما 11عامًا هي الساحة التي شهدت الانتهاكات، اختلف النظامان، لكن القواسم مشتركة بينهما، والصحفيون ضحايا لكل منهما. نهى عبد الوهاب، مديرة وحدة مرصد "صحفيون ضد التعذيب"، قالت، إن "ما حدث في الأربعاء الأسود كان بسبب أصوات من قبل المعارضة تنتقد ما وصفته بالتغيير الشكلي للمادة 76، لأن التعديلات التي أجريت عليها أفرغتها من مضمونها". وأضافت ل"المصريون": "قوى سياسية أعلنت احتجاجها وتنظيمها عددًا من المظاهرات والوقفات الاحتجاجية أمام نقابة الصحفيين في ذلك اليوم، إلا أن الأمن اعتدى على 4 صحفيين"، مشيرة إلى أن بعد 7 سنوات تم إلزام الحكومة بصرف تعويض 57 ألف جنيه لكل صحفي وتم حفظ القضية.
وتابعت: "أما في قضية الأحد الأسود في الأول من هذا الشهر، تم اقتحام النقابة ليلاً بغرض القبض على الزملاء المعتصمين بالنقابة، ولم تفتح قضية حتى الآن، ولكن تم استدعاء النقيب وسكرتير النقابة كشهود عيان لمعرفة ما حدث". وأكدت أن الانتهاكات ليس لها عهد ولكنها دائمة، لكنها وصفت الانتهاكات الحالية بأنها "أكثر بشاعة سواء على حقوق الصحفيين أو كرامتهم وأن القوانين الخارجية والدولية التي مضت عليها مصر بشأن عدم انتهاك حقوق الصحفيين لم تفعل بعد". في الأول من الشهر الجاري، اقتحم عشرات من قوات الأمن مقر نقابة الصحفيين، في سابقة تاريخية، واعتقلت الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، المعتصمين داخل النقابة، لاعتراضهما على التنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير"، للمملكة العربية السعودية، وقد فجر ذلك غضب الصحفيين الذين دعوا لجمعية عمومية طارئة. وفى اليوم المشهود، تجمع الصحفيون أمام نقابتهم تحت حصار الأمن وبلطجيته أو "المواطنين الشرفاء" كما يحب النظام تسميتهم، ورغم سلمية الصحفيين واجتماعهم أمام النقابة، إلا أنهم لم يسلموا من سباب البلطجية والإشارات البذيئة، والتحرش بعدد من الصحفيات، والاعتداء على صحفيين كان من بينهم خالد داود، الذي اعتدى عليه أمام مرأى ومسمع الأمن أثناء خروجه من النقابة. وقد أعادت تلك الواقعة، حادثة مشابهة وقعت ظهر 5 مايو 2005 خلال وقفة نظمتها المعارضة على سلالم نقابة الصحفيين، اعتراضًا على الاستفتاء الذى دعا له الرئيس المخلوع حسني مبارك على المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية. "كانت أيديهم تعبث بصدري، ويتحرشون بكل المناطق الحساسة من جسدي، مزقوا ملابسى واعتدوا على بأيديهم.. وقعت بوجهى على الأرض، وفوجئت بعدد كبير من هؤلاء البلطجية فوقي، يتحرشون بى مرة ثانية ويعبثون بكل مناطقى الحساسة.. بدأت فى الصراخ طالبةً النجدة وظللت أصرخ إلى أن فقدت الوعي".. هكذا سطرت الصحفية الراحلة نوال على محمد، بروايتها همجية نظام مبارك وقمعيته لأى صوت معارض ووصمة عار بحق نظام المخلوع. "نوال، عبير، شيماء، إيمان" صحفيات توافدن على نقابتهن لأغراض تنوعت بين حضور دورة لغة إنجليزية بالنقابة، كما هو الحال مع نوال، أما الأخريات فقد جئن آنذاك لتغطية الوقفة التى دعت إليها المعارضة تتقدمها حركة كفاية أمام نقابتى الصحفيين والمحامين وأمام ضريح سعد زغلول، تنتقد ما وصفته بالتغيير الشكلى للمادة 76. نوال على محمد، الصحفية الراحلة عام 2009، توفيت عقب صراع مع مرض السرطان، كانت الأولى التى انتهى أربعاؤها الأسود بتجريد ملابسها، وجرح طوله 10 سم وكدمات فى الصدر، وجروح بالساقين والقدمين. أما عبير العسكري، التى لجأت للتقاضي، فقد فُصلت من جريدتها وطُلِقت من زوجها، وهُددت لسحب شكواها، حسب نص البلاغ المُقدم إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وفى البلاغ نفسه، تُسرد قصة عبير العسكرى وشيماء أبو الخير، اللتين تعرضتا للصفع والضرب والركل حين حاولتا الهرب من التعدى الجسدى اللاحق بهن من قبل رئيس وحدة مباحث قسم بولاق آنذاك، ونساء قمن بتمزيق ملابسهن والتحرش بهن جنسيًا ووصفهن بالعاهرات، حسب نص البلاغ. أما الرابعة فى البلاغ المُقدم ضد الدولة المصرية فكانت إيمان طه، الصحفية ب "نهضة مصر"، والتى تعرضت للركل بمنطقة أسفل البطن وتمزيق ملابسها، وعقب التعدى عليها رفض رجال الأمن دخولها لمبنى النقابة للاحتماء". الوقائع تم التحقيق فيها يوم التعدى "25 مايو"، ليتم استئناف التحقيق فيها يوم 27 ديسمبر 2005، ثم يأتى قرار النيابة "بحفظ الدعوى لتحريرها ضد مجهول". وبعد ثلاثة أيام من الأربعاء الأسود، طالب مجلس نقابة الصحفيين بإقالة وزير الداخلية حبيب العادلي، باعتباره المسئول الأول بحكم وظيفته، كما دعا المجلس رئيس الجمهورية إلى ضرورة محاسبة كل المسئولين عن الاعتداء على سلالم النقابة. ولكن لا العادلى أقيل حينها ولا الرئيس مبارك تحمل مسئوليته إزاء يوم "الأربعاء الأسود". وقال محمد عبدالقدوس، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين سابقًا، وعضو المجلس القومى لحقوق الإنسان ل "المصريون"، إن "وضع الحريات، للأسف، بات أسوأ مما كان، فالتحرش مازال موجودًا والبلطجية يعتدون على الصحفيين، تحت حماية الأمن"، مؤكدًا أن "وضع الحريات حاليًا تحت الصفر". وتابع عبدالقدوس: "العدالة تعانى من خلل جسيم فى سلك القضاء، وهو ما أدى بنا إلى هذه الحال".