يحاول أكثر من ثلاثة آلاف رياضي مسلم يشاركون في أولمبياد لندن إيجاد طريقة للتوفيق بين اللعب وأداء فريضة الصيام. والجدل حول التصادم بين أداء الشعائر الدينية والرياضة ليس جديدًا، إذ سبق أن رفض رياضيون مسيحيون اللعب أيام الأحد. قلما يرتبط الحديث عن دورات الألعاب الأولمبية بمواضيع لها صبغة دينية، لكن الوضع يختلف في أولمبياد لندن هذا العام، إذ تتزامن فعالياتها مع شهر رمضان، الأمر الذي يثير جدلاً حول صيام اللاعبين المسلمين المشاركين في الأولمبياد. ولا تشغل هذه المسألة بال أكثر من ثلاثة آلاف رياضي مسلم يشاركون في أولمبياد لندن فحسب، بل تشغل أيضًا وسائل الإعلام الغربية والسلطات البريطانية التي يتعين عليها اتخاذ ترتيبات خاصة لهذا الشهر. وتختلف طريقة تعامل البعثات العربية المتعددة مع هذه المسألة، إلا أن العنصر المشترك في مواقفها تجلى في ترك القرار للاعب ولحريته في تحديد الأمر، إذ لا يمكن إجباره على الصيام أو عدمه، ويلجأ بعض اللاعبين إلى رجال الدين لمعرفة حكم صيامهم أثناء الأولمبياد. وفضل المسؤولون المصريون الاستعانة بآراء رجال الدين، إذ قال اللواء محمود أحمد علي، رئيس اللجنة الأولمبية المصرية، في تصريحات إعلامية«اجتمعنا كأفراد البعثة الأولمبية المصرية مع الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، الذي أباح إفطار اللاعبين خلال الأولمبياد، نظرًا لكونهم على سفر، خاصة أن عدد ساعات الصوم في لندن تصل إلى أكثر من 18 ساعة». غير أن هذا الرأي لا يلزم أفراد البعثة المصرية المشاركة، التي تضم 34 لاعبة و 78 لاعبًا في أولمبياد لندن التي تقام في الفترة بين 27 يوليو و 12 أغسطس. وحول رد فعل اللاعبين على هذه الفتوى صرح اللواء «علي»: «الجزء الأكبر منهم اقتنع بفكرة التخلي عن الصيام لضرورة الموقف، لكن هناك بالطبع عدد منهم متمسك بأداء فريضة الصيام أثناء الأولمبياد، وهو أمر متروك لكل لاعب ولاعبة، يحدده الشخص نفسه». وتسعى السلطات البريطانية إلى توفير الطعام الحلال وأماكن الصلاة للاعبين المسلمين في القرى الأولمبية. وتختلف طريقة تعامل كل لاعب ولاعبة مع هذا الموضوع بحسب الخلفيات الثقافية وغيرها من الأمور، لكن الواضح هو أن الأغلبية تفضل استشارة رجال الدين كما حدث مع الرياضي البريطاني المسلم محمد صبيحي، المنحدر من أب مغربي وأم إنجليزية، وقرر بطل التجديف وهو في الرابعة والعشرين من العمر إطعام 60 فقيرا عن كل يوم لا يصومه خلال الأولمبياد، وفقا لأراء رجال الدين وبعد استشارتهم. غير أن الاعتماد على حرية قرار اللاعب في أداء الصيام أو عدمه أمر غير مضمون دائما، فبعض مدربي فرق كرة القدم الأوروبية يرفضون فكرة وجود لاعب صائم أثناء المباريات ويبررون ذلك بضعف أداء اللاعب الصائم، ومن بين هؤلاء المدرب أنطوان كومبواري الذي صرح أثناء تدريبه لأحد الفرق الفرنسية قبل عدة سنوات أنه «لا مكان للاعب صائم يوم المباراة في خريطة فريقه». وجود مثل هذا «التصادم» بين الشأن الرياضي والشعائر الدينية ليس حصرا على المسلمين فقط، ففي عام 1924 رفض الرياضي البريطاني إريك ليديل، وهو مسيحي متدين، المشاركة في سباق جري يوم الأحد، واضطر وقتها للانسحاب من سباق المائة متر. كما رفض بطل القفز الثلاثي جوناثان إدواردز المشاركة في سباق أجري في أحد أيام الأحد وانسحب عام 1991 من بطولة العالم لألعاب القوى، غير أن والده الذي كان قسًا أقنعه بضرورة استخدام الموهبة التي منحها الله له في المنافسات الرياضية.. وكانت هذه الاستشارة بمثابة فتوى له، حيث شارك «إدواردز» عام 1993 في بطولة العالم لألعاب القوى دون أن يضع شروطًا بعدم اللعب أيام الآحاد. وتجنبا لأي مشكلات تنظيمية خاصة بمواعيد تناول الطعام أو أماكن الصلاة قرر القائمون على الأولمبياد توفير أماكن هادئة للصلاة في قرى اللاعبين، بالإضافة إلى توفير اللحوم الحلال وتقديم وجبات في وقت الغروب لإفطار الصائمين. ومما لاشك فيه أن أغلب الناس لن يتذكروا الجدل حول موضوع الصيام بعد انتهاء فعاليات الأولمبياد، حيث إنهم سيركزون بالأساس على عدد ولون الميداليات التي ستكون في حوزة كل لاعب عند عودته لوطنه.