يبدو الانعكاس فى المرآة متطابقا، يرسم حالة من الفرح والترقب، البنتان ذاهلتان، أصابع طويلة ودقيقة تتخلل الشعر الغارق فى الزيوت والعطور، مشط عاجى أبيض يأخذ الشعر من منابته ويسير معه بتؤدة حتى أطرافه، الشعر شبه الخشن وقد لان فصار طيعا، تلمه الأصابع ثم تعاود فرده وهى تمر فوقه خلف المشط، فى محاولة لإزالة أى تجعدات تطال أى جزء. آمنة جالسة على كرسى التسريحة القصير، خلفها على حافة السرير تجلس مريم، جسدها أعلى، حينما تميل على آمنة، تلامس حلمتا صدرها الناهد الأكتاف العارية لآمنة، لم يكن كلام يتردد، ربما همس الأجساد التى تخشى القادم وتترقبه، عرس آمنة الليلة، ستدخل للزوجية، ومريم تنتظر من سيأتى ليأخذها أيضا، الاثنتان بالقميص الخفيف والباب موصد، وإضاءة هينة يبعث بها المصباح وطاقة الغرفة الداخلية للبيت، كانت البنات قد قمن بعمل الجلوة للعروس ولأجسادهن، وسط ضحك ودق وغناء خفيف و«حجلك ضرب فى الطشت يا عجبانة». حركات وكلام مكشوف، وسرد لأحداث سوف تجرى الليلة، بدأ الصوت عاليا، ووصلت الضحكات الماجنة لنفيسة، فاقتحمت الباب وهى تقول: إيه المرقعة وقلة الحيا دى. وشنت هجمة واسعة وشرسة على البنات حتى كنستهن خارج الغرفة، بينما بقيت مريم وآمنة صامتتين، تنظر الأم إليهن وتبرطم بكلام وشتائم قبل أن تخرج وتوصد الباب من الخارج. فى المرآة بدتا كتوأمين، أبدا لم ينفصلا، لم يكن يفرقهما سوى النوم، ربما الجيرة والصحبة بين الأمين هى التى قربت بينهما فى البداية، لكن الأرواح تعرف طريقها أيضا، وتحدد كثيرا من خيارات البشر، تضحكان حين تسمعان تجادل الأمين بأيهما سبقت الأخرى فى الولادة، ورغم اتفاقهما على نفس الليلة، لكن لا ترضى واحدة منهن الانصياع للأخرى. غياب النظرة فى المرآة يشى بما هو أبعد من هذه الليلة، عن العلاقة والصحبة الطويلة، كأنما قدر من الفراق يحط بينهما الآن، خصوصية ناشئة بادئة فى التكون، العيون تتحاشى الالتقاء عبر المرآة، لمسات الأصابع التى بدأت تدرك الوضع المقبل مسها التوتر، بدت عصبية وهى تحاول التشبث بالشعر الذى ينزلق منها، ضغط الحلمات يتزايد مع ارتداد الأكتاف العارية. الأصابع الأكثر إدراكا أرادت تمديد اللحظة لأبعد وقت، تحاول الاحتفاظ بلمس كل شعرة على حدة، المشط العاجى تمهل فى حركته، سامحا للأصابع التى تقبض عليه أن تأخذ حقها من التلامس مع الشعر، الشعر بدوره أبدى انصياعا وراحة، فراح يقبل الأنامل الحنونة التى تتخلله، ويحاول القبض عليها بملاين الشفاه المتعطشة، لكن اللحظة تنزلق. لمعت العيون فى المرآة بفعل بلة الدمع القريب، فزاد تقارب الجسدين، ارتخى الظهر ومال الصدر ورقد الوجه فوق الرأس، أحاطت مريم صدر آمنة بيديها وهى تضمها، رفعت آمنة يديها من فوق حجرها ووضعتها على ذراعى مريم، أخوة صادقة ونعومة دافئة دفعت العيون للإغماض. لم تنتبها للباب وهو يفتح ووجه يتسمر فى شق الباب، كانت مريم أول من شعرت باختلاف الضوء على عينها، فتحتها ووجهها ما يزال نائما فوق رأس آمنة، متجها للباب، بدت عينها أكثر لمعانا وصفاء ورجفة خفيفة عبرت جسدها وهى ترى الوجه المطل، الرجفة نبهت آمنة الغافية، ففتحت عينيها وهى تدير رأسها نحو الباب. كان حسن واقف بذهوله المطلق وصمته الجليل، وفى لحظة تغير تعبير العيون من التطابق الرهيف الراضى الذى كان عليه، تحولت نظرة مريم للرجاء والابتهال بالستر والعدوان والغضب فى نظرة آمنة، التى وقفت على الفور وهى تشتم شقيقها: يا قليل الأدب. انسحب وجه حسن بتعبيره الآسف، ورد الباب خلفه. قصة : أحمد أبوخنيجر ، أسوان