محافظ الجيزة يُدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025    ضبط شخص بتهمة فبركة فيديو توزيع أغذية بانتخابات النواب 2025 بمنشأة القناطر    الأطباء تحقق في شكاوى ضد طبيب بشأن نشر محتوى طبي مخالف للقواعد العلمية الثابتة    وزارة البيئة وصندوق رعاية المبتكرين يوقعان بروتوكول تعاون لدعم الابتكار والعمل المناخي    أسعار الكتاكيت والبط في بورصة الدواجن اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025    نائب لبناني: "قيادة حزب الله إيرانية بالكامل".. وإيران تنفي التدخل    وفاة فلسطيني بسبب السيول في مخيم الشاطئ بغزة    الأهلي يصدم برشلونة بشأن حمزة عبد الكريم    خسارة أبو قير بثلاثية، نتائج مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    ميدو: صلاح يجب أن يغادر ليفربول.. وأشجعه على خطوة الدوري السعودي    تأجيل محاكمة سرقة أسورة فرعونية بالتحرير    الشابو يقوده للإعدام، إحالة قاتل زوجته بالغربية للمفتي    الحكومة تكشف حقيقة انتشار جنيهات ذهبية مغشوشة في الأسواق    وزير الثقافة يهدي سلوى بكر درع الوزارة احتفاءً بفوزها بجائزة "البريكس الأدبية"    الأزهر يدعو طلابه للمشاركة في جائزة الدولة للمبدع الصغير    وزير الصحة يوجه باستخدام أحدث الأدوات التكنولوجية في رصد الشائعات والرد عليها    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    حادث مأساوي على طريق الإسماعيلية طريق القاهرة الصحراوي..وفاه شابين وإصابة ثالث في انقلاب سيارة ملاكي    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    وزير البترول: التعاون مع الشركاء ساهم في تجاوز مصر لتحديات تأمين إمدادات الطاقة    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن موعد دورته السابعة والأربعين    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن موعد دورته ال47    محافظ كفر الشيخ: الانتهاء من تدريب وفد من 10 دول أفريقية على تقنيات تحسين تقاوى الأرز    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    بعد 7 أيام بحث.. لحظة اصطياد «تمساح الزوامل» بالشرقية    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    الضباب الكثيف يلغي عددا من الرحلات الجوية إلى مطار حلب بشمال سوريا    قائمة تونس - بن رمضان والجزيري ومعلول على رأس اختيارات الطرابلسي في كأس إفريقيا    الرئيس السيسي وملك البحرين: القضية الفلسطينية ستظل في صدارة الاهتمام العربي والدولي    منشور مثير من نجل سائق محمد صبحي بعد انفعال الفنان على والده    الليلة.. قناة الوثائقية تعرض فيلم محفوظ وهي    هدى المفتي ضيفة برنامج آبلة فاهيتا.. السبت المقبل    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    مدير «تعليم الجيزة» يفاجئ عددًا من المدارس ويشيد بمستوى الأداء    بروتوكول تعاون بين «القابضة للصوامع» و«الوكالة الإيطالية»    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    الصحة العالمية: ارتفاع حالات الأنفلونزا بالعالم لكن لم نصل بعد لمرحلة الوباء    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    53 مترشحًا يتنافسون على 3 مقاعد فردية فى دوائر أسوان المعاد الاقتراع بها    القوات الروسية تسيطر على بلدة بخاركيف    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    مؤسسة هولندية تتبرع بأجهزة ومعدات قيمتها 200 مليون جنيه لدعم مستشفى شفاء الأطفال بسوهاج    تقييم مرموش أمام ريال مدريد من الصحف الإنجليزية    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    الدفاع المدني بغزة: تلقينا 2500 مناشدة من نازحين غمرت الأمطار خيامهم    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركات التغيير السودانية: تحارب «البشير» بالأمل وتتحدي «الأحزاب القديمة» بالأفكار الشابة
نشر في المصري اليوم يوم 18 - 07 - 2012

ثلاثة حركات سودانية مولودة في الشارع.. تواريخ ميلادها مختلفة لكن يجمعها هدف واحد: إسقاط نظام الرئيس «عمر البشير». تجاوزت تلك الحركات في أحلامها عجز الأحزاب التقليدية التي سرعان ما تدخل في تحالف مع النظام مقابل حقيبة وزارية!
«جرفنا»: الولادة في 2009 على مقهى
في نهايات عام 2009، ومع بدء الإعداد للانتخابات الرئاسية المنتظرة في 2010، جلس «ناجي موسى» مع اثنين من أصدقائه على مقهى بمسقط رأسهم بمدينة «ودنوباوي» ب«أم درمان». كانت هناك آمال منعقدة على إمكانية التغيير السلمي للنظام عبر صناديق الانتخاب. ولما كان حزب «المؤتمر الوطني الحاكم» يحشد كل إمكانياته، بما فيها وسائل الإعلام المملوكة للدولة، لتوجيه السودانيين نحو إعادة اختيار الرئيس السوداني المشير «عمر البشير»، قرر ناجي وصديقيه أن الوقت لم يعد يتسع لانتظار ما ستسفر عنه اجتماعات الأحزاب المعارضة من اقتراحات للتحرك السياسي.
سنوات عمل ناجي وأصدقائه ضد نظام البشير وجبهة الإنقاذ دفعتهم لاتخاذ قرار بالتحرك نحو توعية المواطنين للمشاركة. يقول ناجي: «لم يكن القرار متعلقًا بحفز الناس على المشاركة بالتصويت فقط، بل كان الهدف هو دفعهم للخروج للتصويت ضد المؤتمر الوطني وإسقاطه».
في الجلسة نفسها التي تمت في أكتوبر 2009 استقر الأصدقاء الثلاثة على كلمة «جرفنا» أو «قِرفنا» اسمًا لحركتهم الوليدة، وصاغوا لها شعارًا يحمل هدفها: «حركة مقاومة شعبية سلمية من أجل إسقاط المؤتمر الوطني».
ترك ناجي المقهي ليكتب منشورًا صغيرًا، قام بتصوير عدة نسخ منه على نفقته الخاصة، وبخمسة جنيهات سودانية فقط كان لديه مائة نسخة من منشوره الأول الحامل لاسم وشعار «جرفنا».
يقول ناجي: «لم يكن من الممكن انتظار تحرك الأحزاب. فالأحزاب في السودان رغم ثقلها التاريخي والجماهيري لا تنهض في مواجهة الحزب الحاكم، وتفضل التصالح معه مقابل حقيبة وزارية أو اثنتين». لهذا اختار الأصدقاء الثلاثة كلمة تعكس السخط الشعبي باللغة الدارجة بعيدًا عن «لغة الأحزاب المتكلفة التي تتعالى على الناس».
فوجئ الناشط الشاب وأصدقاؤه بأن الناس يتلقفون منهم المنشورات ويعيدون تصويرها وتوزيعها على أصدقائهم وجيرانهم في أحياء بعيدة. واللافت أن أول من تحمسوا لمنشورات «جرفنا» كانوا من كبار السن الذين تبرع بعضهم بجنيهات قليلة لصالح تصوير المنشورات.
تحركت كرة الثلج تدريجيًا، وبحلول ديسمبر كانت منشورات «جرفنا»، المطبوعة على أوراق برتقالية اللون ضئيلة المساحة، تجري ترجمتها من متطوعين إلى لغات محلية في غرب السودان وجنوبها ومنطقة الوسط فيها. وكان أول ناشط في «جرفنا» يلقى القبض عليه مسن يبلغ من العمر ستين عامًا، وهو تاجر في سوق أم درمان قبض عليه أثناء توزيعه منشورات الحركة المنادية بإسقاط الحزب الحاكم بجوار متجره في السوق.
يقول ناجي: «قبل الانتخابات التي انتهت بفوز الحزب الحاكم ومرشحه عمر البشير، كان النظام يحاول التظاهر بكونه نظام ديمقراطي يقبل المعارضة. وبمجرد انسحاب أحزاب المعارضة والمرشحين المنافسين للبشير وإعلان فوزه في الانتخابات انهارت سماحة النظام مع معارضيه، وبدأ قمع المعارضين وخاصة من الشباب الذين يعملون خارج إطار الأحزاب التقليدية».
لم تتوقف جرفنا بعد الانتخابات رغم الإحباط الذي أصاب قطاعات واسعة من الشعب السوداني، خاصة بين الشباب. ورغم تزايد وتيرة القمع والتضييق الإعلامي ومنع المحامين من الحضور مع من يلقى القبض عليهم من نشطاء «جرفنا» وغيرها من الحركات التي توالى ظهورها.
يقول ناجي: «بسبب عملنا ضد النظام قبل الانتخابات في محاولتنا لإنهاء حكم البشير وحزب المؤتمر الوطني عبر صناديق الانتخاب تضررت حياتنا الأكاديمية، وأُنهكنا تعبًا واعتقالاً، ورغم كل المجهودات التي قام بها من تحمسوا لأفكار الحركة في مناطق مختلفة من السودان، عادت الاتفاقات والمساومات بين القوى السياسية الرسمية. لقد بنينا مجهودنا على أمل التغير السلمي عبر انتخابات نزيهة، فلا كانت الانتخابات نزيهة، ولا أثمر مجهودنا شيئًا».
هذه الأفكار اليائسة سريعًا ما جرى تجاوزها مع تذكر حقيقة أن مواطنين غير نشطين سياسيًا تحمسوا لأفكار «جرفنا» وساعدوا على نشرها، فاستمرت الحركة في العمل وعقدت مؤتمرًا في الرابع عشر من مايو 2010 عقب إعلان نتائج الانتخابات، أكدت خلاله على استمرارها في العمل السلمى «لإسقاط النظام»، وبدأ كوادرها في التواصل مع مواطنين سودانيين يعانون من «عنصرية النظام»، لتحيى الحركة في مرتين متعاقبتين ذكرى مجزرة كاجابار (مجرزة جرت في منطقة السدود وسط السودان) ومجزرة «بورسودان»، فبادر النظام إلى توسيع رقعة الاعتقالات والتركيز على أعضاء «جرفنا» ممن انضموا إليها من دارفور وجنوب كردفان ومنطقة السدود والنيل الأزرق، مما دفع «جرفنا» إلى التركيز على قضية العنصرية في السودان، وتوزيع منشورات تنبه المواطنين للمصطلحات العنصرية التي يستخدمونها في حياتهم اليومية ضد العرقيات السودانية غير العربية.
وقبل أشهر قليلة من انفصال الجنوب، كان نشطاء الحركة في شطري السودان يتعاونون سويًا في حملات «السلام والمصالحة» للتقريب بين أبناء الجنوب والشمال ودعم جهود الوحدة.
لم تتوقف الحركة عن العمل في جهود المصالحة الوطنية ولا دعواتها لإسقاط النظام، ولم تتوقف الاعتقالات كذلك، ومع الدعوة لثورة سودانية في الثلاثين من يناير 2011 كان شباب «جرفنا» من المبادرين للمساعدة في الدعوة والحشد والمشاركة، وعندما أعلنت الحكومة السودانية عن خطتها للتقشف ورفع الدعم عن المحروقات والسلع الأساسية، استعدت «جرفنا» للحركة الشعبية المتوقعة، لتكون الحركة التي مثلت أولى الحركات الشابة ذات الفكر السياسي الجديد في السودان، واحدة من أهم الحركات التي بادرت ودعمت الانتفاضة الشعبية الجديدة باعتبارها حلقة في سلسلة جهودها لإسقاط النظام.
«شباب 30 يناير»: مولود ألهمته ثورات تونس ومصر
«لن نعلن عن حزب سياسي بآليات وقوانين النظام، هذا اعتراف منَا بشرعية تلك القوانين».. بعبارته الحاسمة تلك ينقل عبد العزيز كمبالي أحد مؤسسي حركة «شباب 30 يناير السودانية» وعضو اللجنة العليا للحزب الديمقراطي الليبرالي وجهة نظره وزملائه من مؤسسي الحزب للمصري اليوم.
يؤكد كمبالي أن اللعب بالقواعد التي يفرضها النظام يعني التسليم بالفشل سياسيًا، لهذا اعتمدت حركة 30 يناير التي شارك كمبالي في تأسيسها منذ البداية مناهجًا مختلفة في العمل السياسي السلمي، بدأت بالتأكيد على علانية العمل والكشف عن أسماء وصور أعضائها دون أية محاولات للتخفي، رغم ما يقود إليه ذلك من تسهيل مهمة اعتقالهم لنشاطهم المعارض للنظام.
بعد خمسة أيام فقط من انطلاق الثورة الشعبية في مصر في الخامس والعشرين من يناير، وجد كمبالي وزملاؤه في الحزب أن نجاح الثورة التونسية في الإطاحة ببن علي، وما تلاها من نجاح للثورة المصرية في الحشد وإرباك حسابات النظام، قد تقود في حالة استقدام الآليات نفسها لنجاح مماثل أو قريب في السودان.
عبر موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك والمدونات السودانية جاءت الدعوة ل«ثورة 30 يناير». طالب شباب الحزب وعدد من آمنوا بالفكرة وشباب «ممن ملّوا تكلس الأحزاب» سكان الأحياء بالخروج في مظاهرات تطالب بإسقاط نظام البشير، لتسارع حركتي التغيير الآن وجرفنا (التي ألفت العمل السياسي قبل ما يقرب من عام ونصف) إلى المشاركة في الدعوة والحشد، لينجح اليوم نجاحًا محدودًا يصفه كمبالي بقوله: «لم ينجح اليوم في تحقيق أهدافه قي إسقاط النظام/ وهذا يعد فشلاً. ولم ينجح في إحداث حشد يقلق النظام كمًا، وقد يعد هذا أيضًا فشل. لكن الحقيقة أن اليوم نجح في إقلاق النظام فعلاً. فلأول مرة منذ سنوات يخرج شباب ونساء ورجال سودانيون لا ينتمون للحركة الطلابية ولا العمالية، وغير مسيسين تمامًا، ليواجهوا رصاص وقنابل الأمن وهم مهيئين نفسيًا تمامًا لما هم مقبلين عليه من عنف. لقد عاود السودانيون كسر حاجو الخوف وسقطت هيبة نظام الحركة الإسلامية الحاكم في هذا اليوم».
رفعت الحركة ثمانية مطالب في وثيقتها «ترتيبات الإعداد للثورة السودانية» من بينها: «إسقاط نظام عمر البشير وزبانيته، انشاء حكومة وحدة وطنية تتولي عمل مؤتمر دستوري جامع وبرنامج إجماع وطني يستوعب قضايا كافة الولايات السودانية وتتولى عقد انتخابات نزيهة خلال عام واحد، وقف العنف ضد المواطنين السودانيين في دارفور وكافة ربوع الوطن، محاسبة المسئولين عن جرائم العمف والفساد، إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات».
كان الوضع شبيه بالأيام الأولى للثورة في مصر. فعلى فيس بوك توجد نشرة واضحة بأماكن الخروج للتظاهر ومواعيد التجمع. وفي المقابل، كان الأمن ينتظر وكان الناس يعرفون بانتظاره. ورغم ذلك تحمس آلاف منهم للخروج في مدن عدة.
اتساع النطاق الجغرافي للاستجابة للدعوة، رغم قلة عدد المستجيبين بالمقارنة بمصر وتونس، لم تحبط الداعين من شباب 30 يناير والحركات الأخرى. يقول كمبالي: «لم يكن هذا وقت الإحباط. نحن أدركنا أننا تحت مظلة مصر. كان الناس يخرجون من أعمالهم ويهرعون إلى البيوت لمتابعة ما يحدث في ميدان التحرير. كانت قلوب السودانيين معلقة بالميدان وتنتظر النصر مثل المصريين تمامًا. وهذا يعني أن العمل المستقبلي سيؤتي ثمارًا. الاهتمام بما حدث في مصر، وما شهدناه في السودان يوم 30 يناير، أكدا أن السودانيين متعطشون للتغيير وينتظرون لحظة تحققه».
استمر شباب ثلاثين يناير في العمل من خلال أحزابهم المشهرة رسميًا وتلك غير المشهرة، بالإضافة لحركات التغيير الشابة التي ينتمون إليها على مدار العام ونصف العام المنقضي. كانوا يعلمون أن هناك شيئًا ما سيحدث. فالغضب مستمر في الاحتشاد.
ومع انفصال الجنوب وبدء التراجع الاقتصادي، بدت فرصة التغيير قريبة. يقول كمبالي: «الاختناقات الاقتصادية لا تفجر وحدها الثورات في السودان. فقد تكررت هذه الاختناقات في 2008، فلجأ النظام لزيادة الضرائب وتقليل الدعم، لتنهض مظاهرات انضمت إليها الأحزاب الرسمية، وانتهت بمفاوضات حصلت من خلالها تلك الاحزاب على حقائب وزارية ولم ينتفض الشعب وقتها. هذه المرة الأمر مختلف. فالشعب خرج للشارع ليردد بوضوح «ياخرطوم ثوري ثوري ضد الحكم الدكتاتوري»، وصار نداء «الشعب يريد إسقاط النظام» يتردد في الشارع وخارج الجامعة. هذه المرة الأمر مختلف، والأمل يجد ما يسانده».
يقول كمبالي في مدونته «دفاتر 30 يناير» بتاريخ 31 مارس 2011: «إننى أدّعى أن 30 يناير لم تكن مجرّد إحتجاجات معزولة قام بها شباب متحمّسون، بل كانت رسالة قوية وواضحة للمواطنين السودانيين فى كل مكان كما هى للطغمة الشمولية الحاكمة، مفادها أن جيلاً جديداً قد أمسك بزمام المبادرة وتجاوز كل الأشكال القديمة للعمل والأنماط القديمة من الأفكار. لقد فتحنا فى 30 يناير – من جديد – بوابة كبيرة للأمل مشرعة فى وجه الظلمة واليأس. فهنيئاً لشعبنا بفجرٍ طال إنتظاره، وليعلم الطغاة أن ساعتهم قد أزفت».
«التغيير الآن»: الهدف هو إسقاط النظام
محمد عبدالرازق أبو بكر غير متزوج، ولا يهتم كثيرًا بإخفاء شخصيته رغم التهديد الدائم بالتعرض للاعتقال. ولأنه غير متزوج، فقد قبل بترحيب بالغ أن يكون متحدثًا إعلاميًا باسم حركة «التغيير الآن» التي يختصها جهاز الأمن الوطني والمخابرات السوداني بنصيب وافر من المطاردات والاعتقالات.
تشكلت الحركة في بدايات يناير من عام 2010، أي بعد ثلاثة أشهر فقط من تكوين حركة «جرفنا». وقد أعلنت من البداية أن هدفها هو إسقاط النظام.
ساهمت الحركة منذ بدايتها في العمل على إسقاط نظام البشير عبر صندوق الانتخابات، وشاركت في دعم «ياسر عرمان»، مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان للرئاسة والمنافس الاقوى للبشير في انتخابات 2010.
تقول «ت. م» عضو الحركة للمصري اليوم: «ككثير من الشباب أصبنا بالإحباط لما شهدته الانتخابات من صفقات. ولكن تاريخ شباب الحركة في العمل السياسي قبل تكوين «التغيير الآن» جعلنا نستجمع قوانا سريعًا. فمن المفهوم أن البشير ونظامه لن يتركا الحكم بسهولة ولن يسمحا بما يعتبره البشير «خروجًا مهينًا» عبر صندوق الانتخاب».
شاركت الحركة في الجهود الشابة للتغيير التي استمرت منذ ذلك الوقت مستعينة بما يصفه محمد أبو بكر ب«التركيبة العنقودية غير المركزية للعمل». فالحركة لا تعتمد على كوادر ثابتة، بل تبادر لدعم المواطنين الراغبين في التوعية بقضاياهم في مختلف أنحاء السودان، وتسهم في الربط بينهم ليعرف أبناء دارفور وأبناء شرق السودان وجنوب كردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة، الذين يعاني كل منهم مشكلة نوعية مختلفة مع النظام، أن السبب في مشكلاتهم هو نظام البشير نفسه، وأنه هو العدو الوحيد، ولا ينبغي أن يكون أبناء السودان أعداء لبعضهم البعض.
هذه الفكرة البسيطة أسهمت في خلق شبكة عمل ترتبط بنفسها تلقائيًا بعيدًا عن أية أجسام تنظيمية مركزية، لتكون حركة التغيير الآن كما تصفها «ت. م» جسم يساعد على «التشبيك والعمل المشترك بين أبناء السودان لكنه لا قيادة له ولا دائرة مركزية»، فقط شباب يتطوعون للتنسيق والمساعدة، «وهو ما جعل النظام يدرك خطورة هذه الحركة ويطارد كوادرها بشكل خاص».
تقدم الحركة نفسها في بيانها التأسيسي بفقرة تعريفية طويلة تقول فيها: «نحن مجموعات من أبناء وبنات السودان منحدرين من كافة أقاليمه، مدنه، أريافه، بواديه، أديانه، أعراقه، تياراته وإثنياته المختلفة. التقينا من قبل في فصول الدراسة، ميادين كرة الدافوري، ورش العمل، و سقالات الطلبة. تشاركنا حلم العمل الشريف بعيدًا عن شبح البطالة، ونبش الهم اليومي لحال الوطن المائل في أحيائنا الصغيرة ومدننا وقرانا الفقيرة. مرة أخري إندمجنا تواصلاً مستفيدون من آخر ما أحدثته ثورة المعلومات والإتصالات في التواصل الإجتماعي».
وعلى عكس الحركات الشابة الأخرى تعلن «التغيير الآن» بوضوح أنه مع تحقق مطلبها الرئيس بإسقاط نظام المشير عمر البشير وحكومة الإنقاذ الإسلامية، ستتوجه كوادر الحركة لتأسيس حزب سياسي معلن يسهم في تحقيق آمال أبناء الحركة من مختلف الأقاليم السودانية بتحقيق الوحدة الوطنية المبنية على أسس المساواة والمواطنة.
ومع بداية الانتفاضة الشعبية الحالية في السودان نشطت المجموعات الجغرافية التي تتشكل منها «التغيير الآن» في الخرطوم وأم درمان وأحيائهما، وفي دارفور وعطبرة والغطارف، لتخرج مظاهرات بدأت صغيرة ومحدودة، لكن سرعان ما انضم إليها الآلاف، لتصبح الجهود الصغيرة للحشد للتظاهر التي قام بها شباب «التغيير الآن» و«جرفنا» و«30 يناير» في الأحياء، نقاط تفجر لمظاهرات شعبية صارت تخرج دون ترتيب أو إعداد مسبق، يوجهها غضب الشعب مما يراه فقرًا وفسادًا، ويحكمها مطلب لا تمسه أية مساومات «لإسقاط النظام».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.