لا أعرف أين يقيم الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، ولكنه قطعاً يقيم فى واحدة من الوحدات السكنية فى عاصمة يظل هو مسؤولاً عنها أمام الناس وأمام القانون! والحقيقة أن ما يشغلنى الآن، وما يجب أن يشغل كل واحد فينا، هو الطريقة التى يتطلع بها المحافظ سواء كان هو عبدالعظيم وزير أو غيره إلى شوارع القاهرة ومبانيها خلال رحلته اليومية من وإلى مكتبه! وإذا كان الاختيار من جانبى قد وقع على الرجل ليكون نموذجاً مؤدياً إلى الفكرة، التى نريد أن نصل إليها من وراء هذه السطور فاختياره ليس لأنه الدكتور «وزير» فى حد ذاته، فهو رجل أعرف مكانته بين أهل القانون كأستاذ جنائى، وإنما لأنه واحد من المسؤولين الموجودين فى مواقعهم أولاً، ولأنه ثانياً بحكم منصبه الحالى يبقى المسؤول الأول عن عاصمة يتعذب بها أبناؤها فى كل يوم! وربما ينفرد محافظ القاهرة فى ذهابه وفى مجيئه بين بيته ومكتبه بشىء لا يتمتع به سائر المسؤولين، الذين يروحون فى شوارع القاهرة ويجيئون! هذا الشىء هو أن الرجل كمحافظ مسؤول مسؤولية مباشرة عن كل شارع يمشى فيه، وعن مستوى نظافته، ودرجة هدوئه ومدى راحة الناس فيه! قد يمشى وزير الزراعة، مثلاً، فى واحد من شوارع القاهرة فيراه صاخباً وقذراً ومملوءاً بالحفر، فيضايقه الموضوع للحظة ثم ينساه.. ولكن الموضوع ذاته مع المحافظ المسؤول يجب أن يكون له فى نفسه، رد فعل مختلف، وأن يسعى بحكم مسؤوليته، وبحكم عبارات القسم الدستورية، التى كان قد أداها أمام رئيس الدولة، يوم تولى المنصب إلى أن يجعل من الشارع القذر شارعاً نظيفاً ومن الصاخب شارعاً هادئاً، ومن الشارع المملوء بالحفر شارعاً مستوياً.. وهكذا.. وهكذا! ما نريد أن نقوله أن محافظ العاصمة نفترض فيه أنه ساخط على حال عاصمته، وأنه غاضب لأن هذه هى صورتها التى لا تسر أحداً أمام المواطن والسائح معاً، وأنه لا يكتفى بأن يسخط ويغضب وكفى، وإنما يحول غضبه أو سخطه من مستواه النظرى إلى شىء إيجابى يشعر به الناس فى حياتهم! ونرجو أن يعذرنا الرجل، إذا قلنا إنه يبدو شأنه شأن سائر المسؤولين فى مناصبهم، وكأنه «متعايش» مع ما حوله، من بلايا ورزايا، وهذا هو أخطر ما فى المسألة! أخطر ما نواجهه الآن، مع جميع مشاكلنا، أو مع أغلبها على الأقل وليس فى القاهرة وحدها طبعاً، أننا «نتعايش» معها، بأى طريقة، ونتعامل معها على أنها شىء عادى، وبالتالى فإنها لا تستوقفنا ولا تلفت انتباهنا مع أنها شىء غير عادى بالمرة! كيف يمر المحافظ فى طريقه يومياً على وحدات سكنية تزحف عليها الوحدات الإدارية، والتجارية، والترفيهية، فتطردها وتحتل مكانها، ثم يسكت.. قد يسكت المواطن العادى، لأنه بلا سلطة تتيح له تغيير الأوضاع الخاطئة، ولكن سكوت المحافظ عما يراه فى كل ساعة أمام عينيه، ليس له معنى، إلا التعايش مع الخطأ، ومع الخطر، وهو ما لا يجب أبداً أن يستمر!.. وسوف أضرب غداً، بإذن الله، مثالاً عملياً وصارخاً، على صدق ما أقول!