أدعو الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء، إلى أن يطلب من مركز المعلومات التابع للمجلس، القيام باستطلاع بين عدد من أصحاب السيارات فى العاصمة، وهو استطلاع لو جرى بجدية، فسوف يكشف له، ثم لنا، عن الجانب غير الظاهر من مأساة المرور فى القاهرة! وسوف يكون على كل باحث مشارك فى الاستطلاع، أن يراقب من بعيد عدداً من السيارات التى تدور فى شارع ما من الشوارع، ثم تعود لتدور فيه هو نفسه، ربما مرة، ومرتين، وثلاثاً.. دون جدوى! عندئذ، سوف يكون على الباحث المشارك فى الاستطلاع أن يتقدم إلى قائد هذه السيارة التى تدور فى الشارع، باستمرار، ويسأله عن السبب الذى يجعله يروح بسيارته هكذا، ثم يجىء عدة مرات، وفى الرقعة ذاتها من الشارع، وسوف يكون جواب قائد السيارة، أنه يبحث عن مكان «يركن» فيه، دون أمل، وأن العثور على مكان من هذا النوع، فى شوارع العاصمة هذه الأيام، قد صار أصعب من العثور على لبن العصفور! هنا بالضبط، سوف يبدو لنا الجزء غير الظاهر من المأساة، وهو أن الشارع الذى يتسع لعشرين سيارة مثلاً للوقوف فيه، مطلوب منه أن يتسع لمائة، أو مائتين من السيارات، ولا يكون هناك حل، والحال هكذا، إلا أن يظل العدد الزائد على طاقة الشارع يدور فيه ذهاباً وإياباً، أملاً فى العثور على مكان يخلو بالمصادفة، وفى أثناء هذا الدوران، يجرى حرق الطاقة فى موتور السيارة، وتلويث البيئة بالمرة، ومعهما يتم بالتوازى حرق أعصاب الناس، الذين يملكون سيارات منهم والذين طبعاً لا يملكون، لا لشىء إلا لأنهم جميعاً موجودون فى حيز واحد! إلى هنا، نكون قد تكلمنا عن نصف المشكلة، ليبقى نصفها الآخر، الأخطر والأهم، وهو أن مثل هذه الحركة الدائرية للسيارات فى شوارع العاصمة دون نهاية، إنما تظهر على أبشع ما تكون، فى الشوارع والأحياء التى يكثر فيها الإشغال الإدارى للشقق السكنية، فالشقة السكنية لن يملك صاحبها فى العادة أكثر من سيارة، أو سيارتين، أو ثلاث فى أقصى الأحوال، ولكن الشقة نفسها، المشغولة لأغراض إدارية، سوف يخصها فى الشارع عشرون سيارة على الأقل، وهذا على وجه التحديد هو أصل كارثة المرور فى العاصمة! إننى أعرف فيلا فى مصر الجديدة، كانت فى الأصل سكنية، فإذا بها اليوم، تتحول إلى مقر لشركة، وتحتها على الرصيف يجرى يومياً «ركن» 91 سيارة، تخص العاملين فى المقر.. فإذا كان هذا يحدث فى عقار واحد، فإن لنا أن نتصور حال سائر العقارات، التى أقيمت فى الأصل، للغرض السكنى، ولكنها فى غفلة من القانون تتحول كلها، أو حتى بعضها، إلى مواقع مشغولة عن آخرها، لأغراض إدارية خالصة! لذلك، لا الكبارى فى العاصمة، ولا المحاور على أطرافها، ولا الأنفاق تحت أرضها، سوف تكون حلاً فى أى وقت، وإنما الحل، أن يجرى إخلاء هذه الشقق والعقارات السكنية، من أغراضها الإدارية، إلى خارج القاهرة، وأن يكون الإخلاء على مهلة زمنية، مدتها خمس سنوات مثلاً، وأن يلتفت المهندس أحمد المغربى، وزير الإسكان، إلى حجم المشكلة باعتباره واحداً من أهم أطرافها، ثم يقرر أن يتبناها فى مجلس الوزراء، لأن إقامته فى المنصورية، أو حتى فى شقة سكنية فى «الفورسيزون» ليس معناها، أنه بعيد عن المشكلة، أو أنه سوف لا يأتى عليه يوم يعانى منها، شأنه شأن الملايين المعذبين، وإذا كان الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، يقوم مشكوراً، بين وقت وآخر، بالهجوم على بعض المواقع الإدارية من هذا النوع، ويحاول إخلاءها، فالمطلوب أن يتحول مثل هذا الهجوم إلى خطة متكاملة، لا انتقائية، لإنقاذ القاهرة من مصير بائس تنحدر إليه!