العفو عن علاء عبدالفتاح.. «القومي لحقوق الإنسان»: خطوة إنسانية ورسالة سياسية    زييكر 9X.. تعريف مختلف للسيارات الكهربائية    أحمد فشير: تحديث استمارة بيانات المواطنين ببورسعيد شرطًا لاستمرارهم على منظومة التموين    الرئيس الفلسطيني يوجه رسالة إلى الشعب الإسرائيلي: من حق أجيالنا أن تنعم بالأمن والحرية    غارة إسرائيلية تقتل أسرة جنوب لبنان    محمد صلاح رابع البالون دور 2025 بحفل جوائز الكرة الذهبية    رياضة ½ الليل| صلاح رابع العالم.. ديمبلي «ذهب» الملاعب.. إنجاز تاريخي لمصر.. الأهلي مهتم بلاج.. ولغز غياب صلاح    الهلال يحقق فوزًا صعبًا على العدالة ويتأهل لثمن نهائي كأس الملك    استقبال حافل لمنتخب ناشئات اليد 2008 بعد التتويج ببطولة إفريقيا    ضبط شخص أجبر كلبه على مهاجمة كلب ضال بالعجوزة    «المرور».. أولوية| لتفادي حوادث الطرق    وزارة الداخلية تضبط متهما بالتعدي على كلب ضال في الجيزة    أحمد السقا أفضل ممثل عن "أحمد وأحمد" في مهرجان الفضائيات العربية    جنيف للدراسات السياسية: الاعترافات الدولية بفلسطين خطوة مهمة قانونيا ودبلوماسيا    انتخاب هيئة الدواء نائبًا لرئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج تابع لوكالة الاتحاد الأفريقى للتنمية    حقيقة ترشيح حسام البدري لخلافة ريبيرو فى تدريب الأهلي    خوان لابورتا: فليك أفضل مدرب في العالم    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معملي الحاسبات والواقع الافتراضي ونظم المعلومات الحضارية بكلية الهندسة للبنين    جوائز ل «ضى» بمهرجان بغداد    بعد خفض الفائدة 2%.. ما هي أعلى شهادة في بنك مصر الآن؟    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: 6 قرارات عاجلة في واقعة انقلاب «ميكروباص المحمودية»    صناع الخير ترسم البهجة في أول يوم دراسي بمدرسة كفر الأربعين الإبتدائية بالقليوبية    أزمة المطورين العقاريين في مصر.. حينما يتم تعجيز الطبقة الوسطى    قبل مزاعم «سرقة أعضاء إبراهيم شيكا».. شائعات طاردت الفنانة وفاء عامر    إطلالة مميزة للفنانة صابرين تبرز جمالها.. صور    بعد تصريحاته عنها.. هنا الزاهد تفاجئ جمهورها وتنشر صورتها مع أمير كرارة: «أنا آسفة»    «عينيهم زايغة».. رجال هذه الأبراج مستهترين ويتهربون من العلاقات    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    لذيذة ومنقذة لآخر الشهر.. حضري كفتة الفراخ بالبطاطس والخضار    برتوكول تعاون بين جامعة كفر الشيخ والصحة لتنفيذ الخطة العاجلة للسكان والتنمية    صحة سوهاج تنظم قافلة طبية مجانية بقرية الزواتنة قبلي بمركز جرجا    «بعد ارتفاع أسعار الطماطم».. 5 مكونات سحرية تضاعف كمية الصلصة من غير ما تفرق في الطعم    إلهام شاهين تحتفي بمحمد منير: "أخي وصديقي الغالي وعشرة العمر"    فيديو.. أبو الغيط: قرار قمة الدوحة بشأن مراجعة العلاقات مع إسرائيل يجب أن يؤخذ بالجدية الواجبة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي بالفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    يونيسف: مقتل 11 طفلا في غارة بطائرة مسيرة على مسجد بالفاشر السودانية    الثقة    شرط جديد للحصول على رخصة قيادة أو تجديدها في مصر    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعاطي المخدرات أسفل أحد العقارات بالقاهرة    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    الآن.. انطلاق تنسيق الثانوية الأزهرية للقبول بالجامعات والمعاهد العليا    وسط ترقب كبير .. يامال يقود وفد برشلونة لحضور حفل الكرة الذهبية لعام 2025    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    خلال لقائه مع نظيره الكويتي .. وزير الخارجية يؤكد رفض مصر القاطع لأي محاولات للمساس بأمن واستقرار الخليج    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصريون فى جنوب أفريقيا: البحث عن الرزق فى «بلاد الزولو»

الخارجية المصرية: لا نعرف عدد الجالية ونقدره ب7000 مواطن سجلنا منهم 1500 فقط
قبل أيام وعقب مباراة الجزائر وسلوفينيا كان القارئ المصرى يتعرف بالكاد على وجود جالية مصرية فى جنوب أفريقيا. الجالية التى ذهبت لتشجيع المنتخب العربى الجزائرى، واعتدى عليها جمهور الأشقاء، لم تكن تذهب لبلاد «الناتال» من أجل المونديال فقط، فالغالبية ذهبت إلى هناك بحثاً عن لقمة العيش، فى جنوب أفريقيا التى شهدت أبشع عملية فصل عنصرى «الأبارتهايد» على يد أحفاد المحتلين الهولنديين، يعيش الآن آلاف المصريين يبحثون عن الرزق فى بلاد شكلت صراعات قبائل «الزولو» الأفريقية ضد البيض معظم تاريخها الحديث، إلى «بلاد الزولو» أو المحاربين الشجعان كما يطلق عليهم هناك يذهب المصريون هربا من الفقر والبطالة والإحباط.
فى هذا الملف تكشف «المصرى اليوم» كواليس هجرة العمالة المصرية إلى جنوب أفريقيا، ليس عبر البوابات القانونية، ولكن من خلال «سماسرة» و«دول ترانزيت» و«عمولات» يتسلمها «تجار البشر» ليضعوا بعض الشباب الذى أرهقه الفقر على بداية طريق «الرزق الأفريقى».
وبينما يعترف موقع وزارة الخارجية المصرية بأن «عدد المواطنين المصريين فى جنوب أفريقيا يفوق العدد المسجل لدى القنصلية بكثير»، حيث تسجل القنصلية وجود 1500 مواطن فقط، فيما تقدر الوزارة عبر موقعها الإلكترونى عدد المصريين هناك بنحو7000 مواطن، وبعيدا عن الوزارة فالقادمون من «بلاد الزولو»، ومن بينهم محمد حافظ رئيس الجالية يقولون إن عدد المصريين المقيمين هناك يصل إلى 20 ألف مواطن.
فى الملف يحكى أحد المهاجرين إلى جنوب أفريقيا حكايته مع «السمسرة عبر الحدود»، وحكايات أخرى تفتح الطريق لمعرفة كيف يبحث المصريون عن «لقمة عيش» حتى ولو كانت بطعم البعد عن الوطن.
فى الطريق إلى «الناتال»: سماسرة وعمولات ودول ترانزيت
فى «رحلة الشقا» يذهب المصريون إلى جنوب أفريقيا حيث الفرصة مازالت متاحة، و«أكل العيش» متوفر. فى الطريق إلى بلاد الناتال كما يسميها أهلها، يمر المسافر برحلة عذاب لا تنتهى حتى يصل إلى أحد «المعارف» الذين سبقوه إلى «جمهورية مانديلا».
محمد.ح، شاب مصرى من قرية شباس عمير، التابعة لمركز قلين بمحافظة كفر الشيخ. تزوج محمد فى الواحد والعشرين من عمره، أنجب طفلين، واحتار فى البحث عن مصدر ثابت للدخل. عمل محمد فى إحدى شركات الأدوية لكن «المصاريف كتير.. والأسعار بتزيد يوم بعد يوم.. ودخل الشغل مش ثابت».
بحث محمد فى كل مكان، مكاتب سفر، معارف، أصدقاء، حتى استقر خياره على جنوب أفريقيا «بيقولوا الشغل هناك كتير والعائد معقول أوى». لم يكن محمد الوحيد الذى تمنى السفر إلى بلاد مانديلا «شباب كتير أوى سافروا هناك عشان يكوّنوا نفسهم.. وبيرجع الواحد منهم بعد سنتين أو تلاتة يتجوز ويشترى أرض بمبالغ خيالية».
حاول محمد الحصول على تأشيرة السفر إلى جنوب أفريقيا لمدة عام كامل، طرق جميع الأبواب الرسمية، وجرب كل شىء، لكن الفشل كان النهاية الدائمة. وحين انسدت أمامه جميع السبل، بحث عن «سمسار» معروف.
«الحل الوحيد إننا نجيب تأشيرة دولة على حدود جنوب أفريقيا ونهرّبكوا من هناك» هكذا لخص السمسار نظرية السفر إلى جنوب أفريقيا بعبارات واضحة. فالمخاطرة ليست فقط فى الحصول على الرزق، ولكن الرحلة تشمل أيضا التسلل عبر حدود دولتين بشكل غير قانوني. أضاف السمسار متحدثاً لمحمد: «لازم تكون رايح على حد معين هناك علشان يستلمك من الناس بتوعنا»، وهو الشرط الذى يتأكد السمسار من توافره عن طريق الاتصال بالشخص الذى يحدده الشاب المهاجر.
فى حالة محمد لم يمثل الأمر أى مشكلة «معظم أصحابى شغالين هناك»، لكن العقبة الأخرى بدأت حين تحدث السمسار عن التكلفة قائلا لمحمد: «50ألف جنيه يندفعوا هنا.. و5000 لما توصل بالسلامة». على الرغم من ضخامة المبلغ من وجهة نظر محمد فإنه لم يفقد الأمل، سعى محمد لدى كل معارفه واستدان من الأهل والأصدقاء والأحباب ليجمع تكاليف السفر، وعمولة السمسار.
5 شباب آخرين من القرية نفسها رافقوا محمد فى حلم الوصول إلى جنوب أفريقيا. جمع الشباب الأموال وأعطوها للسمسار، واستقل الجميع طائرة متجهة إلى مالاوى، أملا فى التسلل إلى جنوب أفريقيا من هناك «لما وصلنا مالاوى كنا فاكرين إننا قربنا خلاص من جنوب أفريقيا، بس اكتشفنا إن لسه فى دولة اسمها موزمبيق بينا وبينها».
يحكى محمد، الحاصل على دبلوم صناعة قسم زخرفة عن 4 أيام قضاها وزملاؤه داخل بيت يملكه مواطن مصرى مقيم فى مالاوى لاستضافة الشباب بالتنسيق مع السمسار المسؤول عن الرحلة فى مصر «كان ممنوع الخروج من البيت عشان ما نلفتش نظر الجيران؛ خاصة أن كل 3 أيام الشباب بيتغير».
غادرت مجموعة الست «المنزل الآمن» لتبدأ رحلة جديدة استمرت ساعتين وسط أراض زراعية وطرق غير ممهدة؛ بهدف تسليمهم إلى آخر يكملون الطريق معه إلى حدود مالاوى وموزمبيق، هذا الآخر هو «سونج»، رجل أفريقى فى العقد الثالث من العمر «كان عصبى أوى وبنفهم كلامه الإنجليزى بصعوبة، وكان بيتكلم بطريقة حادة تخليك مجبر إنك تسمع الكلام.. طبعا كمان إحنا كنا فى غربة ومش عارفين أى حد غيره وقلقانين من حكاية الحدود برضه».
المعاناة كما يرى محمد بدأت مع معرفة هذا الرجل؛ «مشينا أكثر من 3 ساعات وسط طرق شقت على عجل وسط مرتفعات كالجبال.. وسونج كان بيمشى قدامنا ومش بيبص وراه مين اللى لسه مكمل، الحكاية هنا إن لو حد فينا وقع ماكانش سونج بيسأل فيه وبيفضل ماشى». يضيف محمد «كنا قلقانين جدا.. والطيارات فوق راسنا رايحة جاية، والردارات فى كل مكان.. ولو التلقطتنا هاتبقى مشكلة كبيرة.. والمسافة طويلة جدا، وكان الحل الوحيد إن أى واحد فينا شايل شنطة يرميها بدل ما يقع بيها من التعب».
فجأة توقف الشباب حوالى ساعة، كان سونج خلالها يحاول إجراء اتصال بشخص بدا أنه لا يرد على الهاتف. زمجر سونج واتصل بشخص آخر وينقل رسالته للشباب «مش هاينفع نعدى النهارده.. هنرجع تانى».
صدمة الشباب من تلك الكلمات كانت لا توصف، كما أن حزم سونج وهو يقولها جعلها جملة غير قابلة للنقاش. يكمل محمد «ربنا كان حاسس بينا، ويادوب خمس دقائق ووصلت عربية صغيرة حمولتها راكبين بالكتير.. اتحشرنا فيها إحنا وقلنا أحسن ما نرجع المسافة دى كلها مشى تانى». عاد محمد ورفاقه إلى «المنزل الآمن»، وبعد يومين كان الشباب قد نجحوا بالفعل فى اجتياز الحدود بين مالاوى وموزمبيق.
فى موزمبيق كانت مفاجأة أخرى فى انتظار المسافرين الستة، طفل صغير لا يتعدى الثانية عشرة من عمره تسلمهم من سونج، وقادهم إلى منزل صغير ليس به طعام سوى ثمار المانجو. أقام المسافرون الستة فى المنزل الموزمبيقى 24 ساعة فقط، وبعدها بدأ فصل جديد من الرحلة. هذه المرة جاءت سيارة أجرة ليركب فيها الجميع «كانت العربية بتجرى بسرعة شديدة، وكل ما يعدى مثلا 200 أو 300 كيلو كنا بنقول خلاص هانت ووصلنا جنوب أفريقيا.. وفى الآخر نزلونا فى حتة كده وقالوا لنا أخيرا وصلتوا لمدينة مابوتو عاصمة موزمبيق».
فى مابوتو التقى الشباب بأكثر من ستين آخرين، بينهم مصريون، لديهم نفس حلم الوصول إلى أراضى جنوب أفريقيا، وهناك كان الاستقبال الأمثل للشباب كما يحكى محمد: «كان أول مرة حد يوزع علينا أكل بجد.. كان فيه وجبة فراخ وحاجة ساقعة يادوب نسند بيها نفسنا» لم تمر سوى ساعات قليلة لتبدأ الرحلة من جديد داخل «ميكروباص» نقلهم جميعاً على الرغم من أن حمولته 14 راكباً فقط، وهو ما تسبب فى تعطل السيارة بعد سيرها أقل من 20 كيلو متراً. توقفت السيارة، وأمرهم المشرفون على الرحلة – وعددهم ثلاثة- بالنزول حاملين ما تبقى من حقائبهم فى منطقة زراعية، وأخبروهم بأن سيارة أخرى فى الطريق إليهم.
«لو أعرف إن كل ده هيحصل ماكنتش سافرت رغم إن ناس كتير حكولى عن خطورة الرحلة».. قالها محمد بكثير من الأسى وهو يتذكر الرعب الذى أصابه حين أنزلهم المشرفون من السيارة. يقول محمد «سواق العربية العطلانة وواحد تانى فتشونا وسرقوا من ناس مننا فلوسهم وموبايلاتهم وحسينا إننا وقعنا فى كمين ومافيش عربية تانية جاية ولا حاجة».
انتظر الشباب قليلا وسط هواجسهم حتى أتت سيارة أخرى لتحملهم نحو حدود موزمبيق مع جنوب أفريقيا. «نزلونا بعد ساعتين فى منطقة قريبة من الحدود، وقالوا لنا هاتتمشوا شوية على رجليكم عشان العربية هاتلفت نظر حرس الحدود الجنوب أفريقى.. وافقنا ومشينا معاهم حوالى 4 ساعات متصلة لحد ما وصلنا عند سلك حديد فاصل بين الدولتين دول.. هناك عدينا وتسلمنا ناس تانيين.. وقسمونا مجموعات كل مجموعة من جنسية».
استقل الشباب الستة سيارة لورى جاءت من أجلهم، وظلت السيارة دون حراك من السابعة صباحا وحتى الثامنة ليلا «قلنا نشترى أكل وسجاير.. فعلا اشترينا فرخة وعلبة سجاير ب100 دولار». تحركت السيارة اللورى ليلا لتصل بالركاب إلى مكان واسع أشبه بالميناء، بينما يختبئ الشباب وسط ألواح من الخشب كانت الحمولة الشرعية للسيارة.
«ركبنا ميكروباص فى صحراء جنوب أفريقيا، ونزّلونا قبل نقطة تفتيش تابعة لحرس الحدود ولفّينا من وراها بعد ما مشينا حوالى 10 كيلو وقالوا لنا: لو أى حد قابلكو وطلب أى حاجة منكم ياخدها ما تقولوش لأ».. انتهت الرحلة فى منطقة تجمع لعدد كبير من الذين نجحوا فى اختراق الحدود، «هناك كان كل مجموعة لها شخص بيستلمها».
مجموعة محمد تولى مسؤوليتها رجل باكستانى «هو اللى هيقبض باقى الفلوس ويسلم كل واحد مننا للراجل المعرفة اللى جاى عليه.. لكن رعب الرحلة كله فى كفة واليوم اللى قضيته مع البنى آدم ده فى كفة تانية».
يحكى محمد «طلب منى 12 ألف راند، وده تقريبا ضعف المبلغ اللى اتفقت عليه مع السمسار فى مصر، والمشكلة إنى كنت مكلم واحد صاحبى فى جنوب أفريقيا عشان يدفع هو المبلغ المتبقى وكان 5000 جنيه، ولما رحت الشقة اللى هايحطونا فيها لحد ما المعارف ييجيوا لنا لقيت شباب من جنسيات كتير بيتعذبوا عشان المعارف بتوعهم مادفعوش الفلوس المتفق عليها».
أصيب محمد بالرعب بسبب ما شاهده فى «شقة التخزين»، وجلس مع المسافرين ينتظر الفرج «الحمد لله صاحبى حوّل الفلوس على حساب الباكستانى ده فى البنك.. والراجل ضايفنى كويس ووصّلنى لصاحبى».
ترك التدريس وبحث عن لقمة العيش فى الأردن والسعودية واستقر فى جنوب أفريقيا.. كمال: إحنا هنا زى الصينيين فى مصر.. نبيع ونشترى ونقسّط
«المدرس لو مفيش دروس خصوصية مش هيلاقى ياكل».. بهذه الكلمات بدأ كمال عصر، مدرس الحاسب الآلى بإحدى المدارس الحكومية، رحلته للبحث عن الرزق بين الأردن والسعودية وأخيراً جنوب أفريقيا، التى يرى أنها كانت اختياره الأفضل لعدة أسباب أهمها أن دول الخليج «المرتبات العالية فيها بتكون من نصيب المهندسين والدكاترة.. أما جنوب أفريقيا من السهل إن أى حد يعمل هناك فلوس»، فجنوب أفريقيا من وجهة نظره «دولة أفريقية بمواصفات أوروبية» لا يعيبها سوى انتشار السرقات والحوادث.
يبلغ كمال من العمر 43 عاماً، وهو أحد القلائل الذين نجحوا فى السفر إلى جنوب أفريقيا بطريقة شرعية من خلال الحصول على تأشيرة سياحية لدخول أراضيها، وعن كيفية حصوله عليها يقول: «عملت كشف حساب فى البنك وقدمت ورقة إنى موظف وواخد أجازة محددة من شغلى وراجع تانى».
يحكى كمال عن أيامه الأولى فى جنوب أفريقيا، التى حقق خلالها هدفه الأول بالحصول على لجوء سياسى كلفه حوالى 5 آلاف رند وأكثر من 12 زيارة إلى «Pretoria بريتوريا»، العاصمة السياسية هناك.
«كان لازم اللجوء يتجدد كل 3 شهور، وكمان لو رجعت مصر مش بينفع أعمله تانى».. هكذا أوضح كمال -الذى يعول أسرة مكونة من ثلاثة أبناء وزوجة- مشاكل معاملته كلاجئ سياسى، وهو ما دفعه إلى الزواج من فتاة تحمل جنسية جنوب أفريقيا؛ للحصول على الإقامة الدائمة «طبعا ده كان جواز على الورق وبس.. عمرى ما عشت معاها فى بيت واحد.. وهى خدت 300 راند شهرى، كنت بحولهم على حسابها فى البنك بانتظام.. عشان لو حصلت أى مشكلة مع الأمن وسألوها فى التليفون تعرفيه وقالت لأ هايرحّلونى فورا».
3 سنوات قضاها كمال داخل جنوب أفريقيا ليعود إلى مصر بعد أن أخبره أحد الأصدقاء بفتوى العديد من الشيوخ داخل قريته «الفلوس اللى بتيجى من جنوب أفريقيا حرام بسبب الجواز على الورق».
يصور كمال عمل المصريين هناك بما يفعله الصينيون فى مصر «زينا زيهم بنيع البراويز والمناظر الطبيعية والسجاد والنجف.. هى دى الحاجات اللى بنشتغل فيها هناك».
وعلى الرغم من مشقة العمل بسبب ارتباطه بالتجول داخل مدن تبعد عن بعضها مئات الكيلو مترات، كما يقول كمال، فإن عدم انضباط الأمن فى جنوب أفريقيا بوجه عام، وداخل المناطق التى تدفعهم طبيعة عملهم إليها بوجه خاص، كان العقبة الأكبر التى تواجهه.
ويوضح كمال هذا بأن جنوب أفريقيا يمكن تقسيمها من حيث طبيعة سكان كل منطقة إلى جزءين: «Town»، وهى أشبه بالمدينة هنا فى مصر ويسكنها البيض من السكان، والجزء الثانى يسمى «location»، وهو كالقرية فى مصر ويسكنها أصحاب البشرة السمراء، ويتركز تعامل المصريين التجارى فى تلك المناطق، ويعيبها كما يقول « انتشار السرقة والقتل» وهو ما تسبب -وفقاً لكمال- فى مقتل 3 أشخاص من أبناء قريته فى الفترة التى قضاها هناك، كما أنه أيضاً لم يسلم من تلك المخاطر «أنا أكتر من مرة خرج علىّ شباب بسلاح عايزين كل اللى معايا وكنت بادّيهم كل اللى معايا ومن غير نقاش لان القتل هناك منتشر أوى»؛
ويضيف: «دايما كنت باتجنب العمل فى مناطق معينة بعد 7 ليلا، لأن فى الوقت ده الشغل بيبقى مخاطرة كبيرة.. لكن إحنا مضطرين نشتغل هناك عشان الناس هناك فلوسها على قدها وإحنا بنبيع بالتقسيط، ونتفق على طريقة الدفع، وكل شهر نلف نلم الأقساط» ويضيف: «الناس هناك ملتزمة فى الدفع من غير أى ضمانات عليهم.. والمكسب كبير، مثلا إحنا بنشترى البرواز ب50 راند ونبيعه ب350 راند، والنجفة أو السجادة سعرها بيكون 100 راند وبنبيعها ب700 راند».
كمال يتمنى أن تحاول مصر عقد أى اتفاقيات لتبادل العمالة مع جنوب أفريقيا بشكل شرعى؛ لأنه كما يقول «اللى شغالين هناك مش بس اللى معاهم دبلومات فنية، فيه شباب من خريجى الكليات.. وأنا شفت ناس متخرجين من طب وشغالين هنا، وجنوب أفريقيا فاتحة بيوت ناس كتير أوى.. وفيه شباب بترجع من هناك تتجوز وتستقر»؛ حيث يقول إن متوسط ما يدخره أى شاب سافر إلى هناك يتراوح بين 50 و90 ألف جنيه مصرى فى العام.. ومع ذلك يستدرك «كل واحد وشطارته وممكن الواحد يعمل فلوس أكتر من كده».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.