منذ أيام قليلة ذهبت إلى قرية «ناهيا» لمعاينة كارثة تتكرر من الثامنة مساءً وحتى الواحدة بعد منتصف الليل. إنها كارثة الهدر المخيف والإجرامى لمياه الشرب، الذى يلجأ إليه المواطنون غصباً، باعتباره الحل الوحيد للبقاء على قيد الحياة، ليس فى قرية ناهيا فقط، ولكن فى كل القرى المنكوبة، الواقعة على امتداد ترعتى المنصورية والمريوطية، وهى كلها كانت تابعة لمحافظة الجيزة، قبل أن يتكرر سوء الحظ مرة أخرى، وتصبح تابعة لمحافظة 6 أكتوبر. أقول سوء الحظ لأن هذا القطاع الجغرافى من القرى، كان يتمتع بشبكة طرق مرصوفة ونظيفة قبل مجىء الدكتور فتحى سعد محافظاً للجيزة، حيث بدأ فى عهده أضخم مشروع لحفر كل الطرق دفعة واحدة، مرة بحجة توسعتها، ومرة بحجة ربطها بالمدن والمحاور الجديدة والطريق الدائرى، ثم اتضح فى نهاية الأمر أن الهدف الأوحد من كل هذا الحفر الفظيع هو مجرد إمداد قصور وفيلات المنصورية بخط مياه عملاق، وإمداد مدينة 6 أكتوبر بخط آخر يخترق هذه القرى ولا تتسرب منه قطرة مياه واحدة إلى بيت من بيوتها. الأفظع من هذا كله، أن مشروعات إمداد مياه الشرب لقصور الأثرياء انتهت منذ سنوات.. ولكن الشوارع والطرق العامة ظلت محفورة حتى الآن، وعندما سألت مسؤولاً كبيراً بوزارة الإسكان عن أسباب عدم تسوية هذه الطرق ورصفها مرة أخرى، أخبرنى بأن ميزانية «إعادة الشىء إلى أصله» تذهب عادة إلى المحافظات.. وأنها غالباً تنفقها فى أمور أخرى، وتترك الطرق على حالها حتى تفرض الأمر الواقع على الدولة.. وتضطرها بعد فترة إلى تخصيص موازنة جديدة لإعادة الرصف! وقد تكرر سوء الحظ مرة أخرى عندما تم اقتطاع هذا القطاع الجغرافى المنكوب أصلاً، من محافظة الجيزة، ونقله إلى محافظة 6 أكتوبر، وتعيين الدكتور فتحى سعد محافظاً لها. لتبدأ مرحلة جديدة من الحفر المتواصل لكل طرق وشوارع هذه القرى، حتى تحول الوصول إليها والسير فى شوارعها إلى جحيم لا يطاق. ومؤخراً، ظهرت كارثة جديدة تمثل جريمة إدارية مخيفة.. فقد أسندت محافظة 6 أكتوبر مقاولات تركيب شبكات الصرف الصحى فى معظم هذه القرى إلى مقاولى باطن لا يملكون أدنى مقومات تركيب هذه الشبكات، حتى انتهى الأمر بتدفق مياه المجارى فى مواسير مياه الشرب، والغريب فى الأمر أن هذا لا يحدث طيلة الوقت ولكنه يتم بعد الثامنة مساءً، ويستمر حتى ما بعد منتصف الليل، وقد اعتاد الأهالى فى هذه القرى فتح كل صنابير المياه فى البيوت لتصريف هذه المياه المخلوطة بالمجارى أولاً.. وتركها مفتوحة بعد ذلك لعدة ساعات لغسل المواسير من آثار مياه المجارى! لقد سألت عدداً من المواطنين من عدة قرى عن هذه الظاهرة.. فعبروا جميعاً عن حيرتهم، فهم لا يعرفون كيف تصل مياه المجارى إلى شبكة مياه الشرب، ولا يوجد مسؤول واحد يكاشفهم بالحقيقة، ولكنهم يعرفون أن الكارثة تحدث فى الأسبوع مرتين أو ثلاث مرات وهو ما يعنى أن الأمر ليس ناتجاً عن كسور فى شبكة الصرف تحدث فجأة. قبل شهرين استضافت «المصرى اليوم» الدكتور فتحى سعد فى حوار طويل.. وسألته عن الحفر المتواصل واللانهائى فى كل شوارع قرى المحافظة، فأجاب بأنه «دليل على أننا نعمل». أما وقد رأيت وعايشت بنفسى، طيلة سنوات، عمق الخراب فى هذه المناطق.. فإنى أتوسل إلى معالى المحافظ: أرجوك كف عن العمل! [email protected]