كل ما حلم بتحقيقه لم يتحقق، ومع ذلك لم يفقد الأمل، خرج عبدالحميد سليمان من كلية التربية جامعة الأزهر، وفى ذهنه أحلام وطموحات ترسم مستقبل جيل بأكمله، كان يحلم بأن يصبح معلما ثم مدير مدرسة، وأحيانا كان يفكر فى كيفية إدارة «إدارة تعليمية»، وهو ما حمسه لدراسة الخط العربى فى معهد «تحسين الخطوط» أربع سنوات متتالية بعد دراسته الجامعية. كان مستقبله يسير كما رسمه، ففى البداية عمل عبدالحميد مدرس لغة عربية فى أكثر من مدرسة، بدأها بمدرسة ثانوية للسياحة والفنادق وختمها بمدرسة خاصة.. لكنه أنهى مشوار التعليم مبكرا: «ماقدرتش استحمل غباء الطلبة لأنهم مش بيشغلوا مخهم عشان دافعين فلوس.. وكل ما تيجى تكلم طالب يقولك أنا هنا بفلوسى.. أنا ممكن أتحمل طفل مش فاهم لكن طالب كبير فى الثانوية مينفعش يبقى معندهوش مخ ومينفعش أستحمله». قرر عبدالحميد أن يغير مجاله ليبتعد عن التعليم تماما، وعمل فى مدينة الإنتاج الإعلامى: «قررت أسيب التدريس لأنه يا إما بالواسطة يا إما تدرس لعيال متدلعة جاية بفلوسها فاشتغلت (سوبر فايزر) فى مدينة الإنتاج الإعلامى، وفى مرة كنت فى حديقة الحيوانات فلمعت فى عينى فكرة تنقلنى من مدينة الإنتاج الإعلامى، وترجعنى لموهبتى القديمة وأهو أستفيد بأى حاجة اتعلمتها». عدد الأطفال الذين رآهم عبدالحميد فى حديقة الحيوان، جعله يتصور ريشته على وجوههم، وابتسامتهم بعد أن ينتهى من رسم وجوههم الصغيرة.. قبل أن يبدأ فى هذا العمل الجديد ذهب عبدالحميد إلى مشيخة الأزهر وحصل على فتوى بعدم حرمة الرسم على الوجوه، «طالما أنه يرسم البسمة على وجوههم يبقى حلال»، وهو ما شجعه لتنفيذ مشروعه: جمعت مجموعة شباب وقدمنا مشروع ل(أحمد الليثى) وزير الزراعة السابق، وكان عبارة عن وحدة تصوير فوتوغرافيا تضم نشاطين أساسيين.. تصوير ورسم وجوه للأطفال.. وبدأت الوحدة بقرار وزارى سنة 2003 كمشروع لشباب الخريجين». لم تدم الريشة فى يد عبدالحميد طويلا فكما يقول: «كانت الصورة الصغيرة ب5 جنيه والكبيرة ب10 وخلال مدة قصيرة دخّلنا للحديقة مليون ومائة ألف جنيه، وفجأة فوجئنا بأننا تحولنا من أصحاب مشروع لمشتغلين لدى مستثمر رغم أنها فكرتنا.. فعام 2004 نزلت وحدة التصوير لمزاد بدون ما نعرف السبب واشتراها مستثمر.. ليه؟؟ لحد دلوقتى بسأل نفسى ومش عارف إجابة». 67 شابا وفتاة بينهم عبدالحميد قدموا شكاوى للوزير لأن مشروعهم كان بقرار وزارى فكيف يباع.. لكن الوزير أكد لهم أنه اشترط على المستثمر أن يعمل الشباب معه لكنه «طفشهم» ماعدا عبدالحميد، فلم تهن عليه موهبته التى ميزته عن زملائه، ولا ريشته التى كان يرسم بها الوجوه والحنة: «كان صعب علىَّ أمشى، الكل كان عارف ريشة عبدالحميد وماحدش كان يقدر ينافسنى لأنى عندى موهبة وكمان دارس.. صمدت لآخر لحظة لحد ما فاض بىّ لأنى لقيت نفسى بكسب 22.5% بس من المكسب بعد ما كنت باخد 50% فمشيت». قرر عبدالحميد أن يترك البلد ويسافر قطر بحثا عن عمل جديد.. لكنه اضطر للتخلى عن شهادته: «كنت بشتغل سواق على (تريلا) بشهادتى الثانوية، لأنى ممنوع اشتغل سواق بمؤهل عالى.. ماقدرتش أكمل ورجعت مصر تانى لأن والدتى كانت تعبانة ولولاها ماكنتش رجعت البلد دى تانى». سافر عبدالحميد إلى البحر الأحمر بحثا عن عمل جديد.. وإن كان لا يأمل فى استخدام شهاداته أو موهبته مرة أخرى: «أنا ندمان إنى أخدت شهادات أصلا».