إذا كان بيليه قد خسر رهانه عندما توقع تتويجاً أفريقياً فوق منصة كأس العالم قبل نهاية القرن الماضى، فإن أبناء القارة السمراء يمنون النفس بأن تتحقق تنبؤات الجوهرة السوداء فى نهائيات تتزامن مع أول مونديال على أرض أفريقيا، إذ يرى العديد من عشاق كرة القدم فى بلاد نيلسون مانديلا أنه من الواجب على أحد الممثلين الستة بلوغ المربع الذهبى على الأقل، حيث أكدوا مساندتهم اللامشروطة لكل المنتخبات الأفريقية المشاركة، وبالأخص كتيبة بافانا بافانا «الأولاد» التى ستخوض غمار البطولة الغالية على أرضها وبين جماهيرها. وبالنظر إلى تاريخ المشاركات الأفريقية فى نهائيات أم البطولات، قد يبدو أن هذه الآمال والتطلعات بعيدة المنال بشكل لا غبار عليه، إذ يُعد منتخبا الكاميرون والسنغال الفريقين الوحيدين من القارة السمراء اللذين بلغا ربع النهائى فى دورة مونديالية، علماً بأنه لم يسبق أن بلغ أكثر من فريق أفريقى واحد مرحلة خروج المغلوب فى جميع النسخ العالمية الماضية، وبينما لا يتجادل اثنان فى كون القارة أنجبت العديد من اللاعبين الذين يصنفون فى خانة النجوم العالميين، إلا أن عدم انتظام مستوى المنتخبات الوطنية يبقى علامة استفهام حيرت جميع المتتبعين. وفى المقابل، عودتنا أفريقيا دائماً على قلب الموازين ومخالفة التوقعات بفضل تفاؤل أبنائها وإصرارهم وعزيمتهم.. وبالنسبة لنجوم اليوم، فإن الرهان الأكبر يتمثل فى حمل تطلعات القارة بأكملها على عواتقهم ورفع التحدى أمام عمالقة العالم، وهو ما يؤكده ديدييه دروجبا الذى قد يغيب عن النهائيات بسبب الإصابة، علماً بأنه يحمل شارة القائد فى منتخب يعتبره العديد من النقاد والمحللين أقوى الفرق الأفريقية وأكثرها موهبة على الإطلاق، حيث صرح هداف تشيلسى وكوت ديفوار قائلا: «الهدف الذى يشغل بالى وبال زملائى هو صنع التاريخ وتغيير نظرة العالم لكرة القدم الأفريقية.. أتمنى أن نكون ذلك الفريق الذى يصل إلى النهائى ويفوز بلقب البطولة». وبدوره، لم يُخْفِ الأسطورة الغانى عبيدى بيليه تفاؤله بمستقبل الكرة الأفريقية، حيث ألمح لإمكانية فوز أحد ممثلى القارة السمراء فى نهائى الأحلام يوم 11 يوليو 2010، لكنه توخى الحذر فى الوقت ذاته، مؤكداً أنه فى بطولة بحجم المونديال وأمام قرعة غير رحيمة، قد يكون التأهل أهم بكثير من تقديم عرض كروى ينال إعجاب الجميع، حيث توقع نجم مرسيليا فى سنوات التسعينيات أن «النهائيات ستكون فى غاية الصعوبة للفرق الأفريقية.» وأضاف بيليه، الذى سيتابع مسيرة ابنيه- أندريه ورحيم أيوه- مع منتخب النجوم السمراء فى هذا العرس العالمى الذى تستضيفه بلاد قوس قزح: «لقد أوقعت القرعة منتخبات أفريقيا فى مجموعات غاية فى الصعوبة، ولن يكون من السهل عليها الخروج بسلام، هناك نظرية مفادها أن الوقت قد حان لكى يفوز فريق أفريقى باللقب الغالى، ربما يكون ذلك صحيحاً.. لكن يجب علينا أن ننتظر لنرى، وعلى أى حال، أعتقد أن منتخباتنا ستشرفنا أحسن تشريف بغض النظر عن النتائج». لا شك أن أسطورة كرة القدم الأفريقية يفكر ملياً فى إنجاز شباب بلاده أواخر العام الماضى، عندما أصبحت غانا أول بلد من القارة السمراء تفوز بلقب كأس العالم تحت 20 سنة، فقد وجد أغلب لاعبى تلك المجموعة موطئ قدم لهم فى تشكيلة منتخب الكبار، حيث أبلوا بلاء حسناً فى نهائيات كأس أمم أفريقيا التى استضافتها أنجولا مطلع هذا العام بوصولهم للنهائى. يُعد بافانا بافانا أحد المنتخبات الأفريقية التى تُعلَّق عليها آمال كبيرة للمضى قدماً فى البطولة، إذ لم يخسر الفريق 12 مباراة، مما يعنى أن أصحاب الأرض قد بلغوا قمة عطائهم وجاهزيتهم فى الوقت المناسب وتحت قيادة المايسترو البرازيلى كارلوس ألبيرتو باريرا، هذا وسيحظى أصحاب الضيافة بدعم جماهيرى كبير داخل الملاعب وخارجها، إذ يرى أسطورة كرة القدم الجنوب أفريقية لوكاس راديبى أنه بإمكان منتخب الأولاد بلوغ المربع الذهبى، مؤكداً فى الوقت ذاته أن معيار النجاح الحقيقى لا يتمثل فى قياس أبعد نقطة تبلغها منتخبات القارة السمراء. فقد أكد ابن سويتو الذى قاد دفاع ليدز يونايتد على مدى سنوات أن «هذه الكأس العالمية لا تقتصر على كرة القدم فحسب، بل إنها فرصة لكى تجدد أفريقيا نفسها.. «صحيح أننا نطمح إلى تحقيق النجاحات فوق أرضية التبارى، لكننا نود فى الوقت ذاته أن نجنى ثمار النجاح خارج الملعب كذلك.. نريد أن يضع العالم ثقته فى أفريقيا، ونريد أن يدرك كل واحد أننا قادرون على تنظيم مثل هذه البطولات.. بعد 12 يوليو يجب أن يكون الجميع فخورا ومعتزا بانتمائه لأفريقيا». ستشارك القارة الأفريقية بستة منتخبات للمرة الأولى فى تاريخ كأس العالم، ومن ضمن هذا السداسى، هناك عملاقان نائمان سيسعيان للتكشير عن أنيابهما عندما تدق ساعة الحقيقة، إذ سيخوض المنتخب الكاميرونى سادس مونديال له، علماً بأن الأسود غير المروضة لم تحقق أى شىء يُذكر منذ إنجازها الخالد فى نهائيات1990، وعلى الطرف الآخر، يقف النيجيريون على أحر من الجمر لإطلاق العنان لرابع مغامرة عالمية فى تاريخهم، علماً أن النسور الخضراء قد خيبت الآمال فى العرس العالمى منذ بأن بلغت ثمن نهائى دورتى الولاياتالمتحدة 1994 وفرنسا 1998. لكن الجماهير الأفريقية تنظر لحظوظ نيجيريا والكاميرون بكثير من التحفظ، خاصة بعدما تعثرت النسور فى أغلب المباريات التحضيرية قبل أن تتلقى صفعة قاسية بسبب الإصابة التى ألمت بقائد وسط الميدان جون أوبى مايكل، فى حين جرت استعدادات الأسود فى أجواء غريبة سادها الكثير من التشويش. ويكمن القاسم المشترك بين جميع المنتخبات الأفريقية فى صعوبة المجموعات التى ستلعب فيها، إذ وجد سفراء القارة السمراء أنفسهم إلى جانب منتخبات عملاقة، مما يجعل من الصعب ترشيح الأفارقة للمرور بسهولة إلى الدور الثانى، لكن ذلك لا يقلل من حظوظ أبناء القارة المستضيفة للمضى قدماً فى العرس العالمى، لما يملكونه من مواهب وإمكانيات، إضافة إلى ما سيحظون به من دعم جماهيرى ومساندة شعبية. وقد لخص الأسطورة الزامبى كالوشا بواليا الوضع السائد فى أفريقيا بالقول: «إننا اليوم فى وضع مختلف بل فى وضع أفضل من الدورات السابقة، وأعتقد أننا مستعدون بشكل أفضل كذلك.. إننا نتمتع بالثقة والتجربة اللازمتين، وأعتقد أن منتخباتنا تؤمن بقدرتها على بلوغ المجد الكروى فى هذا المستوى».