جريمة السويس

بالتوازى مع الحديث عن «إعادة الأمن»، تزيد الجرائم العنيفة، وتتصاعد عمليات تهريب السلاح وتجييش الشارع، وتتكرر وقائع مرعبة تتدحرج بين المصريين، تنمو وتتضخم مثل كرة الثلج وتصير جبلاً من المخاوف، يحدث شرخاً فى النفوس، ويقف حجر عثرة أمام كل أشكال البناء، وأمام هذه الحالة تبدو الأجهزة المختصة فاشلة، عاجزة عن مواجهة «الكرة المرعبة».
وطوال الأيام الماضية، لم يتوقف شلال الأسلحة الذى يتدفق من ليبيا فى اتجاهنا، واستمر شحن «حبوب الهلوسة» من الهند إلى الموانئ المصرية، وتتابعت مشاهد القتل والسطو فى المدن والقرى والنجوع، بينما شهدت السويس الجريمة الأخطر منذ بداية الثورة، وبدت الصورة كأنها لوحة كبيرة لغابة واسعة.
وتكمن خطورة جريمة السويس فيما أحدثته من تصدع فى ثقة الداخل، وأعطت الفرصة لإعادة إنتاج الصورة القبيحة فى الخارج، قدمنا لأعداء مصر سلاحاً منقوعاً فى سم زعاف، وأدرنا لهم ظهورنا، مكنَّاهم من تسديد الطعنات لنا، فتشكك من كان يعتزم الاستثمار فى بلادنا، وغير كثير من الأفواج السياحية وجهته إلى دول أخرى، ولم يبق لنا إلا الجلوس فوق الأنقاض وأطلال الخراب.
ولأن مصر لم تزل فى حالة توهان وعراك بين فسطاطين، فلم يخرج علينا مسؤول يوضح للرأى العام حقيقة ما جرى فى السويس، تركوا النار تسرى فى الوطن وتلتهم ما تشاء، حتى عندما تحولت «الكارثة» إلى المادة الأولى فى وسائل الإعلام لم يتحرك أحد، فقط خرج بيان من الجماعة الإسلامية فى أسيوط نفى مسؤوليتهم عن الجريمة، ولم يعلق وزير الداخلية على الواقعة بكلمة واحدة إلا بعد ضبط المتهمين، أخبرنا السيد الوزير حفظه الله أن المتهمين لا ينتمون إلى أى تيارات سياسية أو دينية، وأن مشاجرة نشبت بين المتهمين والضحية، عقب رده على نصيحتهم له بإشهار مطواة فى وجوههم.
لماذا لم يخرج علينا السيد الوزير ليوضح لنا هذه التفاصيل، ومادام لدى سيادته معلومات مؤكدة بعدم وجود ما يسمى «جماعة الأمر بالمعروف» فى مصر، فما الذى منعه من توضيح ذلك على الرأى العام منذ وصول هذه المعلومات إلى سيادته؟ أين مؤسسة الإعلام الأمنى التى تستنزف من ميزانية الداخلية نصيب الأسد؟ وماذا تفعل وزارة الإعلام فى هذا البلد؟
أعلم بأن جهاز الأمن لم يزل يعيش مرارة انكسار وهزيمة بعد تعرضه للهدم فلم يعد لرجاله القدرة على ردع أطراف المعارك والمشاجرات، ولم تعد أصوات أبواق سياراته تخيف لصاً ولا مهرباً، فقد الأمن هيبته ولم تفلح كل محاولات إعادتها حتى الآن، خرج كثير من العقارب السامة من الجحور، وراحت توجه أذنابها إلى الجسد المصرى الممزق إلى ألف قطعة، ولم يعد أمامنا إلا المواجهة الشعبية «المقننة»، لابد أن نقف فى الخندق نفسه مع جهاز الأمن ندافع عن حاضرنا ومستقبلنا، نسقط كل الأقنعة عن وجوه الذين يريدونها خرابة ينعق فيها البوم والغربان.
omar_hsanen@hotmail.com