حقاً.. لم يخلِّف حادث «شارع عدلى» قتلى أو مصابين، وحقاً لم يتسبب فى خسائر مادية، وبالتأكيد كان فى حجمه بسيطاً وتفجيراً بدائياً، أقرب إلى «لعب العيال»، لم يتخط دويه بضعة أمتار، ويبدو أن قوة الشرطة التى تتولى تأمين منطقة «المعبد اليهودى» تخيلت أن الحقيبة التى سقطت من الفندق تخلص منها شخص عندما فشل فى إخماد حريق اشتعل بها. لا ننكر أن الانتقال السريع لأجهزة الأمن والتعامل الفورى مع الحدث شىء يستحق الثناء، لكن هناك عدة نقاط يجب مراجعتها جيداً حتى لا نستيقظ يوماً على كابوس مخيف، يمكن أن يخلّف قتلى وخسائر وحسرة وألماً جديداً، فالذين يؤرقهم مناخ الاستقرار الذى تنعم به مصر يبعثون لنا برسائل بين الحين والآخر.. وبمراجعة الماضى القريب، نرى مشاهد مرعبة فى عبدالمنعم رياض والسيدة عائشة والحسين والزيتون والمشهد الحسينى، وأخيراً أمام المعبد اليهودى. لقد أراد من دبر للحادث الأخير أن يترك رسالة فقط، بالضبط كما يفعل الأشقياء وأرباب السوابق حينما يحدثون إصابة بضحاياهم فتترك علامة على أجسادهم، لا تختفى بالتئام الجرح، فهو خطط وراقب واختار المكان، الذى سيخلف اهتماما عالميا، ويتيح الفرصة لحالة «لت وعجن» طويلة. اختار توقيتاً يكون النوم قد داعب العيون الساهرة بقوة، وتراخت الأيدى القابضة على السلاح، وأصاب الإرهاق من يتولى قيادة قوة التأمين، فدخل إلى سيارته وألقى بظهره إلى الخلف، اختار وقت التراخى وفك أربطة الأحذية. استطاع ذلك المجهول أن يترجل حاملاً حقيبة يد وهى ألف باء أسباب الاشتباه فى مثل هذه المناطق ووصل إلى باب العمارة التى يقع بها الفندق وصعد إلى الطابق الرابع، وبالتأكيد هو يعلم مسبقا أن موظف الاستقبال لن يكون مستيقظا، التقى عامل النظافة وأوهمه بحاجته إلى حجرة للنوم، وتظاهر بالانتظار، بأن جلس إلى منضدة مجاورة لنافذة مواجهة للمعبد لابد أن يكون تم تحديدها مسبقا نفذ جريمته وهبط إلى الشارع واستخدم الممر المجاور فى الهروب واختفى.. لم يستوقفه أحد!! لم يناقشه أحد!! انتهى كل شىء فى دقائق معدودة، لتبدأ بعدها دائرة واسعة من الاتصالات عبر الأجهزة، طردت النوم من كل العيون، وأعادت اليقظة إلى كل جهاز الأمن، وفوجئ الجميع بأبواق سيارات الشرطة تملأ المكان، وقوات تفتش وتستجوب وتستوقف أشخاصاً. حادث بسيط فى حجمه، لكنه ضخم فى معناه.. تفجير بدائى لم يخلف قتلى أو مصابين، لم يحطم البلاطة التى سقط عليها، لكنه ترك شرخاً فى النفوس، ترك علامة ل«ضربة موس» تحتاج إلى عملية تجميل لمحوها. [email protected]