لم أكن أتوقع هذا الكم الكبير من التعليقات المؤيدة لإلغاء مواد الدستور التى تنص على أن يكون نصف أعضاء مجلس الشعب ومجلس الشورى على الأقل من العمال والفلاحين، ولا أخفيكم سراً كنت قد ترددت بعض الشىء فى كتابة مقال الاثنين الماضى «فيفتى شباب»، خشية أن أتعرض لحملة من لا هم لهم إلا النعيق دون تفكير، لا التعليق بما يفيد، ولكن الذى شجعنى على كتابته عبارة صلاح جاهين فى رباعياته باللغة العامية التى قال فيها «إزاى شبابنا يقوم وياخد دوره، من غير صراخ يؤذيه ويجرح زوره، يا هل ترى أحسن له يقعد ساكت، أو ينترك ولو خرج عن طوره...» ولأننى على قناعة بأن الشباب لابد أن يأخذ دوره، وأننا لو مكنّا له ذلك فإنه لن يخرج عن طوره، فقد أتتمت كتابة المقال، وجاءت كل هذه التعليقات تؤيد ظنى، وتدل على أن كاتبيها على وعى تام وإدراك كامل بأن هذا التمايز الفئوى الذى نص عليه الدستور هو تمايز بغيض يتعين تخطيه، وأن استبداله بضمان خمسين فى المائة على الأقل من مقاعد المجالس التشريعية للشباب قد يكون هو ما نحتاجه الآن، فالسياسة فى مفهومها الواسع هى ببساطة الاهتمام بالشأن العام، وأن ضمانة أن يكون نصف مقاعد مجلس الشعب على الأقل من الشباب يجعلنا مطمئنين إلى انشغالهم بالشأن العام، والاشتغال به، ومن ثم إعلاء قيم الانتماء لديهم، وهو ما يعتبر ضرورة حتمية لنهضة الأمة وتقدمها، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن تمييز الشباب لا يعد تمييزاً بين طوائف الأمة وبعضها، فالشباب يشمل كل الطوائف بمن فيهم العمال والفلاحون، ثم إن الشباب هم أبناؤنا، والإنسان لا يتمنى لأحد أن يكون أميز منه إلا أبناؤه، أضف إلى ذلك أنه يستحيل التحايل على هذه الميزة السِّنية بأى شكل من الأشكال، ولعل تطبيق هذه الميزة يقلل من نفوذ رأس المال فى الانتخابات، ثم إن المدقق فى القيد الخاص بتمثيل العمال والفلاحين يلاحظ أنه يتعارض مع مبدأ تمثيل العضو للأمة كلها، إذ إنه يعنى تكتل ممثلى العمال والفلاحين لرعاية مصالحهم بما يترتب عليه إعلاء المصلحة الخاصة لهم على حساب المصلحة العامة، بينما لا ينطبق ذلك على الميزة المقترح منحها للشباب بضمان تمثيلهم فى المجالس التشريعية بحد أدنى 50%، إذا ما تم الأخذ بها، لأن الشباب - كما ذكرت - يمثلون كل أطياف المجتمع فى داخلهم بمن فيهم العمال والفلاحون والفئات الأخرى، كما أن تمييز الشباب بهذه الميزة لا يفتح الباب أمام مطالبات مناظرة لفئات أخرى، خلافاً لقيد العمال والفلاحين الذى يفتح الباب على مصراعيه فى المستقبل أمام مطالب فئوية أخرى تتعارض مع وحدة الدولة واستقرارها، وليس أدل على ذلك من البرلمان الفرنسى الذى كان يُمثّل قديماً من أربع فئات: الأشراف، ورجال الدين، وسكان المدن، والفلاحون، فكانت هذه التفرقة سبباً فى قيام الثورة الفرنسية التى رفعت مبدأ المساواة إلى جانب الحرية والإخاء، فلا تمييز بين الطبقات أو الأفراد فى جميع الشؤون بما فيها التمثيل فى البرلمان. التعليقات ذكرت أن من حق الشباب أن يتمتع بهذه الميزة فهم يمثلون نصف التعداد وأن الميزات الاستثنائية لابد أن تكون مشروطة بفترة زمنية محدودة، وأن الاستثناء الممتد دون نهاية يولد الفساد والتحايل، وأن منح الشباب هذه الميزة من شأنه أن يرفعهم إلى المشاركة السياسية بدلاً من الهروب إلى عالم فرضى من الفيس بوك والمدونات. والأديب الراحل صلاح جاهين فى رباعياته يقول «قالوا السياسة مهلكة بشكل عام، وبحورها يا بنى خشنة مش ريش نعام، غوص فيها تلقى الغرقانين كلهم شايلين غنايم، والخفيف.. هو اللى عام...» وكأنه ينصح الشباب. ثم عاد وقال «لولا اختلاف الرأى يا محترم، لولا الزلطتين ما الوقود انضرم، ولولا فرعين ليف.. سوا مخَاليف، كان بينا حبل الود كيف اتبرم ؟؟؟».