للسنة الثالثة على التوالى، لاتزال «تانيا نيومير» الفتاة الكندية البالغة من العمر 26 سنة، تقف فى أحد شوارع مدينة تورنتو، تحمل لافتة كتب عليها «عناق مجانى»، وتقوم بعناق كل من تصادفهم من المارة دون أى مقابل، وتؤكد أن ما دفعها للقيام بتلك المبادرة أن «الكثير من الناس بحاجة لهذا الحضن». فكرة «تانيا» شجعت أخاها الأكبر «إيان» وبعض أصدقائهما إلى تقليدها، حتى أصبح هذا التجمع من مظاهر مدينة تورنتو.. بعد أن أثار جدلا واسعا فى الأوساط الأكاديمية والبحثية حول قدرة الأحضان على تحسين العلاقات الاجتماعية وضبط المزاج النفسى، وهو ما أثبتته دراسات علمية حديثة، حتى إن بعض الأطباء النفسيين يلجأون إليه كعلاج مكمل عند علاج الأطفال المصابين بالاكتئاب والعزلة. استشارى الطب النفسى د. عادل لبيب أكد هذه النتائج، ويقول: احتضان الطفل يجعله يتمتع بنمو طبيعى ويزيد من معدلات ذكائه، والرضع المحرمون من العناق والدعم العاطفى تتأخر معدلات نموهم ويعانون من صعوبات فى التعلم. الأحضان تقلل من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والضغط، خاصة لدى النساء حيث يصاحبه إفراز هرمون «الإكسيتوسين»، المسؤول عن تحسين المزاج والشعور بالبهجة، والشخص الذى يحظى بأجواء عاطفية وحميمية، يتمتع بصحة نفسية جيدة ويكون أقل عرضة للأزمات والاضطرابات الشخصية. تقول الكاتبة الصحفية حسن شاه: الأحضان تعبير حقيقى عن الحب وأوقع كثيرا من التحيات التى نتبادلها باستمرار، وتنقلنى من حال إلى حال، حينما يضمك أحد، تشعر كأنه يحوطك ويحميك ويصد عنك الأذى المحتمل، ويتحمل للحظات مسؤولية مواجهة العالم بدلا عنك، وألجأ إلى الأحضان عندما أحتاج دعما معنويا لا تفى به الفضفضة الصادقة أو حتى القبلات والطبطبة. ولا أنسى دور الأحضان فى حياتى عندما أجريت جراحة سرطان الثدى، كانت أحضان أولادى الدافئة هى السبب فى سرعة شفائى، لأنهم تجاوزوا المعنى المادى للحضن، وأحاطونى بمعانى العطف والاكتراث والرعاية. ويقول الأديب سعيد الكفراوى: تحولت الأحضان فى حياتنا إلى تقليد اجتماعى أكثر منه عاطفة صادقة، لذا لا أعول عليها كثيرا، لكن يبقى أجمل الأحضان هو حضن أمى، ضمنى طفلا وشابا وكهلا، كان نزيها، مليئا بحب صادق وعطاء لا ينتظر مقابلاً، ولحضن أمى رائحة خاصة تشبه كثيرا رائحة قريتى، عناقها كان مرادفا للأمان والطمأنينة، وسعادة ممزوجة بالبراءة، أستعيد إحساسى بتلك الرائحة بعد رحيل أمى عندما أقابل بعض أقاربى ونساء بلدتنا العجائز. أما غادة - صاحبة مدونة حضن دافئ - فيتسع لديها مفهوم الحضن ليشمل كل قول أو فعل يجعلها فى حالة نفسية رائقة أقرب لحالة طفل صغير يستقبل الدنيا ببراءة وإقبال، الأغرب أن حواراً قصيراً مع بائع فل كان سببا فى أن تغير نظرتها للحياة وتدفعها لإنشاء المدونة وتقول غادة عن ذلك: «قال لى شيلى إيدك من على خدك يا ست هانم، وضحك لى، انفتحت الإشارة ولم أشتر منه «فل»، غادرت سيارتى وتاه هو فى الزحام، كانت جملته، ترجمة لعاطفة إنسانية صادقة ورغبة حقيقية فى محو ألمى، كانت بمثابة حضن دافئ ضمنى.