فى إحدى حلقات برنامج «العاشرة مساء»، قال رجل الأعمال صلاح دياب فى معرض دفاعه عن التطبيق المصرى للخصخصة وعن صفقة بيع شركة عمر أفندى: (إن شركة عمر أفندى كانت تخسر سنوياً 60 مليون جنيه، فباعتها الحكومة ب600 مليون جنيه). وقد ظننت ومعى عشرات الألوف ممن عملوا فى قطاع التجارة الداخلية عموماً وشركة عمر أفندى بالذات، أن ما ذكره السيد صلاح دياب مجرد زلة لسان لا تستدعى الوقوف عندها، إلا أن سيادته عاد لتكرار العبارة نفسها فى حواره المنشور ب«الأهرام» السبت 8/5/2010 وهو ما يوجب تصويب هذا الرقم الذى لا أدرى من أين جاء به، لئلا يظن المواطن العادى بالتكرار وبمرور الوقت أنه رقم صحيح. فى هذا الإطار أود توضيح ما يلى: 1- إننا فى حركة «لا لبيع مصر» ندافع بشدة عن كل رجل أعمال مصرى نظيف لم تتلوث سيرته، ويفتح أبواب الخير والعمل لآلاف العاملين المصريين ويسهم بنجاحاته فى تحسين كفاءة الاقتصاد الوطنى، حتى وإن اختلفت معتقداته الاقتصادية والأيديولوجية معنا، بل إننا ندافع عن حقه فى الاختلاف معنا. 2- إن من حق الأستاذ صلاح دياب بلاشك أن يدافع عما يعتقد بصحته، ولكن ما ليس من حقه بالتأكيد أن يستخدم فى دفاعه أرقاماً خاطئة ولا أساس لها من الصحة. 3- إن شركة «عمر أفندى» لم تخسر فى تاريخها هذا الرقم الذى ذكره الأستاذ دياب (60 مليون جنيه سنوياً!)، فضلاً عن أنها كانت دائماً من الشركات الرابحة، وإن كانت حجة بعض المدافعين عن بيعها أن أرباحها كانت أقل مما ينبغى. 4- إن شركة عمر أفندى كانت أرباحها بعشرات الملايين ولم تحقق خسائر إلا فى عام 2003 (أقل من 3 ملايين جنيه)، لأسباب بعضها يتعلق بظروف السوق، والآخر بسوء اختيار القيادات.. ثم تم تصويب الأخطاء، فانخفضت الخسائر فى العام التالى 2004 إلى 800 ألف جنيه فقط.. ثم عادت للربح فى عام 2005 فتم بيع الشركة! 5- إن الكثيرين ممن اعترضوا على هذه الصفقة (وأتشرف بأن أكون من بينهم) ليسوا من (الشعبويين الذين دافعوا عن عمر أفندى وكأنهم يدافعون عن شرف مصر) كما قال ساخراً، بل من المعروف أننى شخصياً ممن يرون أن ترفع الدولة يدها عن شركات التجارة الداخلية، مع الاحتفاظ بعدد محسوب من المنافذ يضمن ضبط الأسواق عند الأزمات.. أما شرف مصر فنحن نفتديه بأرواحنا بالطبع، ولكننا لم نربط أبداً بينه وبين «عمر أفندى».. فنحن نعلم يقيناً أن شرف مصر أكبر كثيراً من شركة أو آلاف الشركات.. ولم يقل أى منا إنه كان يدافع عن شرف مصر، ولكننا كنا ندافع عن مال عام، تم إهداره ببيع الشركة، بأقل 600 مليون جنيه (لم تسدد كاملة حتى الآن)، بينما قيمتها الرسمية 1300 مليون جنيه، وقيمتها الحقيقية تتجاوز 3 مليارات جنيه (وقتها).. وكنا ندافع عن شركة تتيح منافذ عرض رائعة بامتداد مصر، لتصريف منتجات الصناعة الوطنية المصرية (لا الصينية) سواء من القطاع العام (كغزل المحلة وغيرها) أو من القطاع الخاص (كالنساجون وإيديال وأوليمبيك وغيرها).. وكنا ندافع عن شفافية تم سفكها بأشكال متعددة على مذبح هذه الصفقة.. وكنا ندافع عن الآلاف من إخوتنا من العاملين المصريين المهرة والأسر التى يعولونها (وتم تشريد نصفهم تقريباً حتى الآن)، وذنبهم فى رقبة من باعوهم ومن يدافعون عن هذا البيع. 6- كان الأولى بتصويب أرقام الأستاذ دياب، الجهة الرسمية التى باعت «عمر أفندى»، وهى وزارة الاستثمار، وهو ما لم ولن يحدث بالطبع.. فالكل يذكر كيف كان مسؤولو وزارة الاستثمار يبخسون من وضع الشركة أثناء البيع حتى يبرروا اضطرارهم لبيعها (هل شاهدتم من قبل بائعاً يبخس من قدر بضاعته التى يريد بيعها؟!!).. وأذكر أن وزير الاستثمار قال فى أحد البرامج: «إن شركة عمر أفندى طول عمرها بتخسر!» فإذا بأحد رؤساء شركة عمر أفندى التاريخيين الذين بنيت فى عهدهم الفروع العملاقة الجميلة (مثل الحجاز والعباسية ومكرم عبيد) يتصل بى ويقول وهو يكاد يبكى: (هذا غير حقيقى.. إحنا طول عمرنا بنكسب.. أنا حالياً على المعاش ولم يبق لى إلا تاريخى أنا ومن حققوا معى هذه الإنجازات.. فكيف يتجرأ محيى الدين على مسح تاريخنا وإنجازاتنا بهذه السهولة؟!).. فكفكفت من دمعه (أمد الله فى عمره) وقلت له: لا تتعجب من تصرف الوزير فهو مفهوم، ولكن العجب كل العجب من الجيش العرمرم من مرؤوسى الوزير ومستشاريه الذين يعرفون الحقيقة ولا يتجرأون على الجهر بها فى مواجهته أو فى مواجهة الرأى العام، خوفاً على امتيازات زائلة.. مع أن منهم من يصلى ويصوم ويتلو القرآن، بل يطلق لحيته.. ولا يدرون أنهم أصبحوا فى زمرة كاتمى الشهادة (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه)! [email protected]