أوركسترا «المصرى اليوم».. شكراً

عندما تسلمت جائزة البحرين للصحافة تذكرت أولى جلساتى مع رئيس التحرير مجدى الجلاد، الذى صار صديقاً جميلاً رغم قلة اللقاءات، عرفت يومها شفرة النجاح وباسوورد التألق الذى يحيط بجريدة «المصرى اليوم»..
مجدى الجلاد لا يحمل عصا سحرية، ولكنه يحمل فضيلة قراءة مواهب البشر والسماح لهم بالنجاح والتفوق.. رئيس التحرير الوحيد الذى لا يصر على أن تتصدر صورته صدر الجريدة بشكل يومى مزمن، طاقاته تتجاوز مهارة العزف لكى تتفرغ لمسؤوليات المايسترو الذى يمتلك النظرة الكلية التى تجعل من «المصرى اليوم» أوركسترا يخاصم النشاز، يرسم هارمونى سيمفونية النجاح وكونشيرتو التفوق ويحفز من معه على المزيد من التألق، ويقنعهم بأنه لابد أن يكون هناك الأفضل.. فلا ترضَ بالمتاح فقط.
طلب منى مجدى الجلاد التكثيف والاختصار فى حدود 400 كلمة، تذكرت جملة سعد زغلول: «ليس لدى وقت لكى أختصر» وأدركت صعوبة المهمة، تملكتنى روح القصة القصيرة التى دخلت إلى عالم الكتابة من خلالها، وطبقت جملة يحيى حقى الخالدة «القصة القصيرة الجيدة هى التى تبدأ بمقدمة طويلة محذوفة»!..
قصقصت الزوائد والرطرطة ودربت نفسى على طرد شيطان الغضب من إلقاء سطور كاملة فى سلة القمامة وضغط زر «DELETE» على جمل بأكملها..
عاهدت نفسى على أن أحافظ على جمال العبارة ورشاقة الأسلوب حتى لو كنت أتحدث عن القبح، فالجمال ركن أساسى فى الكتابة حتى لو تحدثت عن الزبالة.. علمتنى لوحات فان جوخ التى أعلق صورها على حائط عيادتى أن الجمال بصمة الفنان والكاتب أيضاً،
فقد رسم حذاءه الممزق المتسخ بمنتهى الجمال، ولوّن غليونه القديم وأصابع العمال الفقراء وهم يأكلون البطاطس على مائدتهم الفقيرة بألوان الجمال.. والآن أشكر مجدى الجلاد على تلك النصيحة التى فهمتها خطأ فى البداية على أنها انتقاص من موهبتى التى لابد أن يمنحها صفحة كاملة!
أخرجتنى هذه الجائزة من شرنقة الإحباط الذى وصلت إليه وإحساس اللاجدوى من قيمة الكتابة فى قضايا التنوير والمنهج العلمى والحرب ضد الفكر الرجعى والمتزمت ودعاة الدولة الدينية، فقد اخترت هذا الخندق بعد أن تحول التطرف من ضيف عابر إلى صاحب بيت، وبعد أن تحول خفافيش الظلام من قتل المفكر إلى قتل التفكير..
كنت على يقين بأن ما أفعله هو قبض على الجمر، وسير فى حقل الألغام، ولكنها الصدمة الكهربائية المطلوبة لشفاء مريض الشيزوفرينيا، وقنبلة الديناميت المطلوبة لشق طريق وسط الجبال، كنت مدركاً أن تراكم هذا النوع من الكتابة بطىء ولا يحقق جماهيرية ويكتسب مزيداً من الأعداء..
قاومت إحساس مغازلة الجمهور للحصول على تصفيقه وتحملت الكثير من التطاول لأننى أعرف أن إفحام العقل يجعل الجاهل عدوانياً.. شكرت الله على هذه الجائزة التى لم تأت حتى من نقابة الأطباء الإخوانية التى أنتمى إليها، ولو على فقرتى الطبية، فى وقت كرموا فيه كل الإعلاميين، وتأكدت أكثر من أن رهان الآخرين على تغير الإخوان سذاجة.
شكراً لأسرة «المصرى اليوم» التى منحتنى دفء العائلة وطعم النجاح.
info@khaledmontaser.com