كما توقع كثيرون، لم تطق السلطة المذعورة اتساع نطاق عملية توكيل الدكتور محمدالبرادعى فى قيادة الحركة الوطنية بغية تأسيس دستور جديد يليق بمصر. فما إن تنادىالناس فى محافظات عدة وهرعوا إلى مصلحة الشهر العقارى ليسجلوا فى أوراق رسميةمبايعتهم لرجل من عظماء مصر وأفذاذها، كى يشرع فى خطوات جديدة وجادة لانتشال البلادمن البؤس السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى الذى يثقل ظهورنا ويضنى عقولناويؤلم نفوسنا، حتى جاءت الأوامر الغليظة للموظفين الصغار: «لا تحرروا توكيلاتللبرادعى». ها هى واقعة أخرى تثبت أن الحزب الحاكم يتغول على الجهاز البيروقراطى للدولة،فيأمره، ويسيطر عليه، ويستغله فى تحقيق مصالحه، ويدفعه إلى تضييق الخناق علىالمنافسين الجادين، الذين يطرحون أنفسهم بديلا حقيقيا لنظام حكم فاسد ومستبد. وهناكعشرات الآلاف من الوقائع التى تدل على أن كل أجهزة الدولة، بما فيها الشرطةوالمؤسسات المنوط بها الرقابة والمحاسبة، ملحقة بالحزب الحاكم، الذى أسقط آخر ورقةتوت كانت توارى عوراته، وبدأ يظهر ألاعيبه عيانا بيانا. وكل هذه الوقائع تبرهن على أن الحياة السياسية لا توفر أى فرص متكافئةللمتنافسين، وتعطى دليلا دامغا على رجاحة فكر البرادعى ومسؤولية خطابه، حين طالببصناعة مناخ سياسى جديد، لا يجعل كل المرشحين لرئاسة الجمهورية ضد مرشح الحزبالحاكم، مجرد مجموعة من «الكومبارس». ولأن البرادعى يبحث عن الحلول الجذرية، ويفهم المسألة من أعماقها، تُسد كلالأبواب والسبل والمنافذ التى يمكن أن تؤدى إلى تمكينه، ومنها تحرير توكيلات له،حسبما فعل مواطنون فى بعض محافظات مصر. لكن ليس بوسع أحد كان أن يحجب الشمس بغربال، أو يمنع تقدم الماء بجدار من رمل. فما لا يختلف عليه عاقلان أن النظام الحاكم فى مصر لم تعد لديه القدرة على تقديم أىحلول ناجعة للمشكلات المعقدة التى تتراكم يوما بعد يوم، وليس بيده إلا أن يخوض بأىشكل معركته الأخيرة من أجل البقاء فى السلطة ولو لأيام معدودات، بعد أن أصبح مجردخُشب مسندة، وعوارض نخرها السوس، ولا يمنع سقوطها إلا تراخى همم وتناحر إراداتالنخبة المضادة وقلة حيلتها فى تعبئة الناس حول مشروع وطنى بديل. ولهذا فإن النظامجاد وصارم فى استهداف كل من يشكل تهديدا حقيقيا له . من هنا لم يكن من المتوقع أن يجد البرادعى الطريق أمامه مفروشا بالورود، ولا يجبعلى من يريد أن يناصره بحق أن يتصور أنه لن يجد عقبات وعثرات، لكننا جميعا لن نعدموسيلة فى التغلب على هذه العراقيل، سواء عبر النضال المدنى المشروع أم التحايل. فإذا كانت السلطة قد منعت استخراج توكيلات للبرادعى، دون أن تمتلك شجاعة الإعلان عنذلك، فإن المصريين فى الخارج شرعوا فى استكمال المهمة عبر سفاراتنا فى الخارج. ولو امتد المنع إلى تلك السفارات، فإن فرصة تجريس النظام الحاكم فى العديد منعواصم العالم ستكون سانحة بشدة، حيث بوسع المهاجرين المصريين، لاسيما فى العواصمالغربية، أن يزحفوا إلى هذه السفارات، ويرفعوا أمامها صور البرادعى، ومعها مئاتاللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية الأوسع انتشارا فى العالم بأسره، تفضح ممارساتالسلطة، وتطلب إزالة القيود أمام انطلاق مسيرة الإصلاح السياسى الحقيقى. أما فى الداخل فالمصريون ليسوا مضطرين للذهاب إلى الشهر العقارى لتوكيلالبرادعى، بل يمكنهم أن يقوموا بهذه المهمة الوطنية بعيدا عن البيروقراطية التىتخضع للحزب الحاكم ورجاله، مستلهمين فى هذا روح ثورة 1919 المجيدة، حيث رد الناسعلى سؤال الإنجليز لسعد زغلول ورفاقه عمن فوضهم ليتحدثوا باسم الشعب المصرى بجمعملايين التوقيعات لهم ليواصلوا كفاحهم من أجل الاستقلال والدستور. ولهذا فبوسع قواعد الأحزاب السياسية المعارضة والحركات الاجتماعية وقوى المجتمعالمدنى ونشطاء حقوق الإنسان ورموز الحركة الطلابية وقادة الرأى فى المدن والأريافوالنجوع أن يشرعوا فى إعداد كشوف تبدأ سطورها الأولى بتحديد رغبة الموقعين عليها فىتوكيل البرادعى ليقود النضال من أجل تأسيس دستور جديد وتحوى جداول تنطوى على الاسمالرباعى لكل شخص يوافق على التوقيع، ورقمه القومى أو غيره من الهويات الرسميةالمعتمدة، ورقم هاتفه، وتوقيعه، على أن يتأكد جامعو التوقيعات من بيانات الموقعين المدونة فى الأوراق الرسمية،حتى لا تبقى ذريعة لأى جهة كانت للتشكيك فى هذه الكشوف، ونقدها ونقضها. ويتم توزيعهذه الكشوف فى أماكن التجمعات الكبرى فى النوادى وملاعب الكرة أثناء المبارياتوالمصايف والمقاهى والمطاعم والمصانع والحقول والشركات. ويمكن كذلك تأسيس موقع إلكترونى لاستقبال أسماء الموافقين على الانضمام إلى هذهالحملة، عبر إرسال كل منهم توقيعه على البيان الموحد مرفقا به صورة عبر «الإسكانر» من رقمه القومى. وهذه مسألة يمكن أن يدبرها مبرمجون محترفون بحيث تأتى فى صيغةمتكاملة الأركان. وعطفا على هذه الخطوة يمكن لنا أن نستخدم الموبايل فى دعوة الناسإلى التوقيع، سواء بوضع توقيعاتهم وبصماتهم على الكشوف الورقية، أو بتبصيرهمبالموقع الإلكترونى المشار إليه. وستكون صورة هذا الكشف متاحة على الموقع الإلكترونى بحيث يمكن لأى شخص فى أىمكان أن يطبعها، ويجمع التوقيعات عليها، حتى ولو من أسرته الصغيرة، أو من عائلته. وعند عودة البرادعى إلى القاهرة ترسل إليه هذه التوكيلات، إما بشكل مباشر، أو إلىأشخاص يحددهم البرادعى فى كل مدينة، أو إلى متطوعين معارضين أو مستقلين متحمسينلبناء مشروع بديل. إن هذا مجرد اقتراح، به نقص يحتاج إلى إتمام، وشرخ يتطلع إلى ترميم، لكنه، فى كلالأحوال، ينطوى على دعوى تستصرخ رجالا يفكرون بحزم، ويعملون بعزم، ولا ينفكون لاينالون ما يطلبون.