انتشرت خلال السنوات الأخيرة جملة واحدة على ألسنة النساء تحدد نظرتهن إلى المجتمع، تتلخص فى «مجتمع ذكورى لا يحترم المرأة بل يهمشها» ما يجعل الصورة تبدو كما لو أن العالم يقتصر على مجموعة من الرجال الأشرار يستغلون ويقمعون النساء، إلا أن كاملا بهاسين مؤلفة كتاب «استكشاف العقلية الذكورية» تنفى ذلك الاعتقاد وتذهب إلى أبعد من ذلك حين تؤكد أن ما تواجهه النساء هو نظام من سيطرة الرجال وتفوقهم وتحكمهم وفقا ما يطلق عليه النظام الذكورى أو الأبوى وبموجبه يمنح الرجال العديد من الامتيازات. ونظرة سريعة لبعض إحصاءات منظمة العمل الدولية تؤكد أن الرجال يتحكمون فى 99% من جميع الممتلكات ويحصلون على 90% من الدخل فى حين لا يقومون إلا بحوالى 33% فقط من إجمالى العمل فى العالم بينما يرتكبون حوالى 90% من الجرائم العنيفة و100% من حالات الاغتصاب. كتاب «استكشاف العقلية الذكورية» الذى ترجمه إلى العربية مجدى النعيم يغوص فى المفاهيم الذكورية ويكشف تأثيراتها السلبية على الرجل قبل المرأة كما يوضح أن استخدام المنظمات النسائية مفهوم النوع الاجتماعى لإعادة صياغة الأدوار الاجتماعية لتحقيق المساواة والعدل الاجتماعى لم يجد صدى داخل المجتمعات نظرا لكونها دعوة نسائية تتم بمعزل عن الرجال. تقدم بهاسين تعريفا للذكورية طبقا لقاموس إكسفورد وهو امتلاك خصائص أو مظهر ارتبط تقليديا بالرجال بينما عرفه قاموس كولينز بمجموعة من المفردات الأخرى منها قوى، جرىء، شجاع، زير نساء، جبار، مفعم بالحيوية، غليظ، قوى البنيان.. لتستخلص من تلك التعريفات أن الذكورة تعريف اجتماعى أسبغته المجتمعات على الرجال أى أنها مكتسبة ولا يولد الإنسان بها كما أنها متغيرة وفقا لتغير النمط الاقتصادى أو الكوارث الطبيعية بعكس ما يدعى البعض من أنها صفات طبيعية وهو نفس الاعتقاد الذى يتبناه من يقولون بأن عدوانية الرجال ونشاطهم الجنسى له علاقة ببيولوجيا الرجال الحيوية وهرموناتهم، وهو ما ترفضه بهاسين مؤكدة أن كلا من الأنوثة والذكورة مفهومان اجتماعيان يتشكلان منذ لحظة الميلاد عبر عمليات التنشئة الاجتماعية. والواقع حسب المؤلفة أن المجتمع يقولب الذكور ويفرض عليهم ارتداء أقنعة الخشونة والعدوانية بمنطق أن من يملكون السلطة ويريدون الحفاظ عليها لا يمكنهم الظهور بمظهر الضعيف ما يجعلهم يتعرضون لنوع من الإخصاء العاطفى وتساعد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية على زيادة العنف ضد النساء وإلى إدمان الكحول والمخدرات وما يزيد ذلك الأمر حدة أنه بسبب تفوق الذكور وسطوتهم تجد القبول والتسامح ما يجعلهم يفلتون من عواقب أفعالهم فى كثير من الأحيان. وتستند المؤلفة إلى أحد أهم الكتب المرجعية حول الاغتصاب لتؤكد أنه فعل استثنائى يقول فيه الذكر للأنثى إنها هزمت أو تمكن من هزيمتها وسحقها بواسطة قوته أو سطوته المتفوقة وتعتبره جريمة عنف وعدواناً وليس جريمة عاطفية لذلك استخدم على نطاق واسع فى الحروب كسلاح لإذلال الجماعات الأخرى. ولا تظهر عدوانية الرجال فى محاولات السيطرة على النساء فحسب بل كما يوضح الكتاب تتجلى أيضاً فى قهرهم الرجال الآخرين، وتؤكد بهاسين أن الأولاد المهذبين لا يلاقون السخرية فحسب بل قد يتعرضون للاستغلال الجنسى بواسطة الرجال الأقوى خاصة فى المؤسسات الذكورية، وتشير الأبحاث إلى أن الرجال الذين يتعرضون للانتهاك فى طفولتهم يصبحون عنيفين ويرتكبون الجرائم ما يجعلنا ندور فى حلقة مفرغة من العنف. استكشاف العقلية الذكورية تأليف: كاملا بهاسين ترجمة: مجدى النعيم الناشر: مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف