انطلاق سوق اليوم الواحد بحي إمبابة في الجيزة    وزيرة التخطيط تُلقي كلمة بفعاليات منتدى «سانت جالين» السنوي    الخطوط السويسرية: مستمرون في تجنب الأجواء الباكستانية بسبب التوتر مع الهند    عاجل- السيسي وعباس من موسكو: تحالف عربي لدعم فلسطين وإنهاء الحرب على غزة    ماكرون يرحب بدعوة ترامب لوقف إطلاق النار فى أوكرانيا غير المشروط    أرتيتا يؤكد إقامة أرسنال ممرا شرفيا لنجوم ليفربول قبل قمة الأحد    انطلاق مباراة الزمالك وسيراميكا في الدوري    الحكم على محمد سامي ومحاكمة نجل محمد رمضان.. أهم محاكمات الأسبوع    تفاصيل القبض على طبيبة الجيزة المزيفة    فريق طبي بمستشفى سوهاج الجامعي ينجح في استخراج دبوس من معدة طفل    فحص 1575 مواطنًا بالمجان في قافلة طبية علاجية بدمياط    أكرم القصاص: دعوة بوتين للرئيس السيسى لحضور احتفالات ذكرى النصر تقديرا لدور مصر    مليار دولار تكلفة عملية ترامب ضد الحوثى.. وتقرير: لا يزالوا قادرين على ضرب إسرائيل    أسامة ربيع: الأوضاع الأمنية في منطقة البحر الأحمر تشهد تطورات إيجابية    خبر في الجول - لجنة التظلمات تحدد موعد استدعاء طه عزت بشأن أزمة القمة.. ولا نية لتقديم القرار    الأوقاف تواصل عمارة بيوت الله، تطوير وإنشاء 1329 مسجدًا في 10 أشهر    "منصف بعد ظلم سنين".. أول تعليق من ساويرس على تعديلات قانون الإيجار القديم    اصابة 10 اشخاص في حادث انقلاب في المنيا    لا حج إلا بتصريح.. السديس في خطبة المسجد الحرام: تأشيرة الحج من لوازم شرط الاستطاعة    طرح الإعلان الأول لدراما "Mercy For None" الكورية (فيديو)    توريد 342 ألف طن قمح للصوامع والشون في الشرقية    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    تكنولوجيا التطبيب "عن بُعد".. إطلاق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد والجهاز الهضمي    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    افتتاح 5 مساجد جديدة بعد تجديدها بالفيوم    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    ملتقى الثقافة والهوية الوطنية بشمال سيناء يؤكد رفض التهجير والتطبيع مع الكيان الصهيوني    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    سعر الأسمنت اليوم الجمعة 9 -5 -2025 الطن ب 4000 جنيه    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    الزمالك في جولته الأخيرة أمام المقاولون في دوري الكرة النسائية    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    محمد رياض يعلن تشكيل اللجنة العليا للدورة ال18 للمهرجان القومى للمسرح    عاجل.. الاتحاد السعودي يعلن تدشين دوري جديد بداية من الموسم المقبل 2025-2026    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    قصة وفاء نادرة.. كيف ردّ النبي الجميل لامرأتين في حياته؟    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    دون وقوع إصابات... سقوط سلك كهرباء تيار عالي على 3 منازل بكفر الشيخ والحماية المدنية تخمد الحريق    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    لطفل عمره 13 عامًا وشقيقته هي المتبرع.. نجاح أول عملية زرع نخاع بمستشفى أبوالريش المنيرة    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    سقوط شبكة دولية لغسل 50 مليون جنيه من تجارة المخدرات بمدينة نصر    سنن النبي وقت صلاة الجمعة.. 5 آداب يكشف عنها الأزهر للفتوى    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة الزمالك وسيراميكا بالدوري    «ملحقش يتفرج عليه».. ريهام عبدالغفور تكشف عن آخر أعمال والدها الراحل    الجثمان مفقود.. غرق شاب في ترعة بالإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن صلبان المدارس والنزاعات القومية

بينما انتخبت الولايات المتحدة أول رئيس ملون، كان والده مهاجراً أفريقياً مسلماً، ما زالت ألمانيا فى مرحلة انتخاب وزراء إقليميين من أصول غير ألمانية، مثل إيجول أوتسكان، وزيرة الشؤون الاجتماعية فى ولاية ساكسونيا السفلى، التى أثارت مؤخرا زوبعة عندما طالبت برفع الصلبان عن جدران المدارس الحكومية. قوبل هذا الطلب بالرفض الغاضب من قادة حزبها نفسه، الذى تقوده المستشارة إنجيلا ميركل. ذلك رغم أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد قررت أن وضع الصلبان فى المدارس الحكومية غير قانوني.. ولم يطبق قرارها.
فى الواقع فإنه ليس فقط فى الولايات المتحدة، بل أيضاً - وبطريقة أكثر صرامة – فى فرنسا، قد يبدو مثل هذا الطلب طبيعيا، فهذه الدول تطبق مبدأ للمواطنة ومفهوما لمعنى القومية مبنياً على عقد اجتماعى يفصل الدين عن الدولة وعن الهوية القومية التاريخية؛ ففيها يكون الدستور والقانون ومبادئ تنظيم الحياة هى الأشياء التى تحدد هوية الدولة القومية، وليس العكس..
وهذا الوضع يعكس المفهوم الليبرالى الذى نبع عن الثورتين الأمريكية والفرنسية، اللتين نتجت عنهما أنظمة متأثرة بالفكر العلمى الذى نشأ مع بداية العصر الحديث فى القرن السابع عشر وتأثر به مفكرون وفلاسفة وسياسيون مثل جون لوك، وأيضاً عصر التنوير الذى تلاه بعمالقته من المفكرين، مثل فولتير وديدرو ومونتسكيو.
أما تاريخ ألمانيا فقد اتبع مساراً مختلفاً، فرغم أن إيمانويل كانط يمكن اعتباره آخر وأعظم فلاسفة عصر التنوير، فتأثيره المباشر على الفكر السياسى الألمانى كاد يكون منعدماً، أما الذى أثر فعلاً على هذا الفكر فهو اعتبارات فلاسفة قوميين مثل «فيخت»، الذى نبذ النزعة الكونية المسيطرة على فكر عصر التنوير، وبدلها- «الخصوصية الألمانية» - فالأمة الألمانية فى نظره شكلت شيئا أسطوريا أزليا، تبلور فى الماضى الضبابى البعيد للقبائل الألمانية وتأثر بطبيعة اليابس والغابة والجبل الألمانى، وظل فى «ذاكرة الأمة» عبر القرون..
وفى هذا السياق فان الألمانى الحقيقى ليس هو الفرد التى تربطه بالدولة علاقات المواطنة والعقد الاجتماعى الذى يحدد الحقوق والواجبات، إنما هو الشخص الذى شرب التاريخ الأسطورى لهوية الشعب الألمانى الجماعية المتراكمة عبر العصور.
لا شك أن هذا النوع من التفكير يفرض قدراً كبيراً من حتمية التجانس الاجتماعى، لأنه يرفض من حيث المبدأ فكرة التعددية الثقافية داخل الدولة القومية، وأيضاً إلى حد كبير التعددية العرقية، لأنه يعتبر (حتى إذا كان خاليا من العنصرية الصريحة) أن هوية الأمة وتاريخها هما اللذان يحددان هوية الفرد، فإذا كان هذا الفرد ينتمى ل«أمة» أخرى، مثل المهاجر الذى جاء من بلد آخر يختلف ثقافيا عن البلد المضيف، فلا يمكن أن يندمج بشكل كامل مع المجتمع الذى تسوده تلك النظرة القومية. بل يصعب حتى على أولاده وأحفاده الانتماء، لأن هذا الانتماء يتبلور عبر الأجيال المتتالية التى يرجع أصلها للماضى البعيد.
فى هذا السياق تظهر الصراعات الحالية، التى تنشب من حين لآخر داخل المجتمعات الأوروبية. فأزمة الصلبان تلك تعكس صراعا بين تشريعات الدولة الألمانية الحالية، التى تم سنها فى أعقاب أهوال الحروب المتتالية التى نتجت عن الفكر القومى القبائلى الذى طالما سيطر على التاريخ الألمانى الحديث- التشريعات التى تمثلها المحكمة الدستورية العليا- ورواسب هذا الفكر التى ظلت مسيطرة، رغم أهوال التاريخ، على قطاعات مهمة فى ألمانيا..
وفى كثير من الأحيان تلتبس بهذه الصراعات النزعات الدينية، لأن فى النظرة القومية القبائلية يشكل الدين عاملاً مهماً لهوية الأمة وتراثها التاريخى، حتى إذا جاء ذلك فى إطار علمانى.
وفى القرن العشرين تم تصدير هذا التراث الفكرى لمنطقتنا.. أولا عن طريق دولة إسرائيل، التى نتجت عن فقدان اليهود الأوروبيين الأمل بأن يكون لهم مكان مناسب وسط مجتمعات سيطرت عليها النزعات القومية، والتى رفضت قبولهم بشكل كامل، الوضع الذى نتجب عنه فكرة القومية اليهودية، التى استوردت الكثير من مفردات القومية القبائلية السائدة فى وسط وشرق أوروبا خلال فترة نشأة الحركة الصهيونية وتطورها..
وثانيا، من خلال أفكار قومية شبيهة نشأت فى العالم العربى، اتسمت هى الأخرى بالقبائلية التى رفضت الاختلاف- فكما أشار بسام طيبى (الأستاذ بجامعة جوتنجن الألمانية)، فى كتابه عن القومية العربية، فإن الكثير من منظرى هذه القومية تأثروا أيضاً، وبطريقة مباشرة، بالفكر القومى القبائلى الألماني.
أدى الصراع بين هاتين الحركتين القوميتين إلى محاولة كل منهما فرض التجانس فى المناطق التى سيطرا عليا؛ فتم تهجير الفلسطينيين وأيضاً الكثير من الجاليات والأقليات الثقافية والدينية فى العالم العربي. ثم بدأ الصراع يأخذ، منذ عدة عقود، شكلاً دينياً صريحاً.
لذلك يبدو أن حل هذا الصراع، على المدى الطويل، لن يأتى إلا إذا تخلص الجانبان من هذا التراث القومى المدمر، واستبدلاه بفكر عصر التنوير الليبرالى، الذى يسمو بمكانة الفرد واستقلاله على القبيلة القومية أو الدينية.. أى أن الحل الأمثل لمشاكل الشرق الأوسط يتجسد فى استبدال القومية القبائلية بالدولة التعددية، العلمانية الديمقراطية، ليس فقط فى فلسطين/إسرائيل، إنما فى الدول المجاورة أيضاً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.