كل عيد تحرير سيناء ونحن طيبون. استمتعنا بالإجازة ونتمنى أن يصبح الاحتفال احتفالين ويوم الإجازة اثنين وثلاثة، لأن أيام العمل واقفة علينا بالخسارة، إذا وضعنا حجم الإنتاج فى مقارنة مع حجم ما نستهلك فى الشوارع المسدودة من بنزين محروق ودم محروق وثمن الأدوية التى نستهلكها بسبب دخان البنزين المحروق فى الشوارع المسدودة تحت الراية المنصورة. كما أن سينا على هذا الوضع واقفة علينا بالخسارة هى الأخرى، لا تأتى منها إلا أخبار الصفقات الإجرامية الفاسدة فى تصقيع أرضها والسمسرة فيها، بينما الذين يدخلون السجن هم البدو لا الذين يهددون أمننا ببيع الأرض لشركاء إسرائيل التى لا يغلبها غالب. حتى داعية السلام عديم النفع باراك أوباما احتار دليله، وأعلن فشله فى إقناع نتنياهو بوقف المستوطنات. وللحق فإن أوباما معذور، ونتنياهو معذور، فلا شىء يُعطى مجانًا فى السياسة، ولا يمكن التضحية بربع أرض فلسطين إذا كان بالإمكان الاحتفاظ بها كاملة، وعندما تحتفظ بها كاملة فلا أمان، ولا فرصة لتنمية. وقد ثبت (رغم أن سينا رجعت كاملة لينا) أننا لا نستطيع أن نعطى ظهرنا للقضية الفلسطينية، ولا أن نقنع أبناءنا بأن يحبوا الحياة بالقرب من وحوش تهدد الحياة، وسيلتقى اليأس من التوحش الإسرائيلى مع اليأس من العيش تحت أقدام وحش النهب الاستثمارى الذى يقتل المطربات، فيدفع ببناتنا إلى الاختفاء تحت النقاب مخافة القتل وبأبنائنا بالاختفاء تحت اللحية انتظارًا للقفز إلى الجنة أو إلى الحكم، وكلاهما نعيم بلا تعب. سيناء رجعت كاملة لينا من زمان، واستمعنا واستمتعنا بحصة فى التاريخ. من لم يروا اليوم الذى رجعت فيه سيناء كاملة لينا صاروا رجالاً، ولا نعرف أثر حصة التاريخ السنوية عليهم، فهم لا يرون سيناء ولا يدخلونها إلا إذا كانوا أغنياء للسياحة، لكنهم يرون بعيونهم كيف صارت مصر محتلة بالفشل الكبدى والكلوى، وكيف يموت فى حوادث المرور سنويًا بقدر عدد شهداء أكتوبر. حتى أنفلونزا الطيور، غزت العالم ورحلت ولم يعد لها ذكر فى أى مكان، لكنها تمسكت بالاحتلال التام لمصر بالذات سنة وراء سنة، حتى استشاطت البهائم غضبًا من كثرة جزاريها وأرسلت علينا نار أسعارها، وصار على مصر كلها أن تفتى فى كيفية معاقبة الجزارين، وتحتم على وزارة الزراعة أن تسهل إجراءات استيراد البهائم بدلا من أن تسهل إجراءات تربيتها. وبعد يوم المقاطعة أمس ربما نجد قطعة لحمة فى الأسواق، لكننا ربما أيضًا لن نجد شربة ماء نُبّلِع بها اللحمة الإثيوبى لو وقفت شغتتها فى زورنا. وإثيوبيا معذورة إن لعبت معنا بالماء، لأنها لن تقطع نفسها من أجل مصر، وعلينا أن نختار إما أن تبعث لنا لحمًا أو ماء! ولنا أن نفرح بالسيئ لأن الأسوأ قادم، وفى احتفال عودة سيناء القادم لا نعرف إن كانت السودان ستصبح جارة (كاملة لينا) أو سيكون علينا التفاوض على المياه مع دولتين، لأن الأمور لن تجرى فى صالحنا ولا فى صالح السودان على أى نحو كانت نتائج الانتخابات (أكتب هذه السطور قبل إعلان فوز البشير) لكن الفتنة الجديدة فى دارفور تكفلت بتوفير الشرر اللازم لنار جديدة. واحنا ولا هنا. ولا وقت عندنا لبشير أو نذير. المعتصمون الذين يطالبون بحد السخرة فى الأجور يشغلوننا عن متابعة أحوال السودان. لا النظام يستجيب لمطالبهم ولا هم يمكنهم العيش تحت خط السخرة. والنعوش الرمزية ظهرت فى الشوارع وسط المعتصمين الحزانى، ندعو الله أن تظل رمزية، بسبب عناد البغال الذى يمارسه فطاحل خصخصة المصمصة، ولا يجدون نظامًا يقول لهم أف. لأن زيت النظام فى دقيق رجال الأعمال. ولم يعد أمامنا بمناسبة عودة سيناء كاملة لينا أن يرحموا هذا البلد، وأن يكتفوا قبل موته التام، وأن يتوقفوا قليلاً عن الاحتفال ليسألوا أنفسهم بنزاهة ضمير عن المصير. لماذا يبقى المحتفلون فى أماكنهم إذا كانوا قد فشلوا فى توفير حد أدنى من الكرامة الإنسانية لمهنيين وعمال يتقاضون أقل من ثمن ثلاثة كيلو لحمة إثيوبى فى الشهر، من دون السؤال عن الماء أو الكهرباء أو السكن والملبس؟ لماذا يتمسكون بركوب أسد مثل أسود السيرك أصبح حاله يصعب على الكافر؟ بينما فى العالم بلاد تغرى بالحكم، هواؤها نظيف وطعامها طيب لا مسرطن بالمبيدات ولا بارتفاع الأسعار. خريجو الجامعات يركبون قوارب الموت بحثًا عن فرصة عمل كريم فى إيطاليا، فيموتون قبل أن يتذوقوا طعم الدنيا، فلماذا لا يترك الذين مصمصوا الحياة على آخرها مصر كاملة لينا ويركبوا قوارب آمنة إلى شواطئ إيطاليا بحثًا عن فرصة حكم كريم مع شعب يستحق أن يُحتفل معه؟!