الدكتور محمد عطية سالم صديق قديم وزميل دراسة، لكنه يعد فى الوقت نفسه أحد خبراء التأمينات الاجتماعية المرموقين. ولأن جدلاً واسعا يدور هذه الأيام حول أموال التأمينات، وهو موضوع يهم ملايين المواطنين، فمن الضرورى أن نتأمل ما يقوله الخبراء. وقد كتب لى الدكتور عطية رسالة مطولة يقول فيها (مع التصرف): منذ عام 2006 تعلن وزارة المالية عن قانون جديد للتأمينات الاجتماعية تدعى أن له مزايا عديدة تسعى لترويجها، وتكثر الحديث فى ذات الوقت عن عيوب القانون الحالى وتعتبره غير عادل ولا يتيح سوى معاشات ضعيفة. وهناك جدل بين خبراء التأمين الاجتماعى ومجموعة من المستشارين القانونيين لوزير المالية، معظمهم من مجلس الدولة، يدور حول قضايا مهمة، وتثور فى سياقه تساؤلات عديدة من قبيل: هل هناك ضرورة لإلغاء النظام الحالى واعتماد نظام آخر يصدر به قانون جديد؟ ومن نصدق: الخبراء أم المستشارين غير المتخصصين؟. ومع التسليم بأن القانون الحالى يشوبه بعض السلبيات، أهمها ضعف قيمة المعاشات، إلا أن السبب يعود إلى السياسات الاستثمارية المتبعة منذ زمن بعيد، والتى لم تسمح باستثمار أموال التأمينات وتمكين هيئة التأمينات من عوائدها، حيث تم استخدامها فى تمويل عجز الموازنة العامة للدولة، وفى إقراض الهيئات الاقتصادية. لذا لم يكن غريبا أن تتراكم أرصدة التأمينات لدى وزارة المالية حتى بلغت 435 مليار جنيه فى عام 2009. ومع ذلك لا ينبغى أن ننسى أن العديد من المنظمات الدولية، ومنها منظمة العمل الدولية والبنك الدولى، اعترفت بأن نظام التأمين الاجتماعى المطبق فى مصر يعد من أفضل نظم التأمين الاجتماعى فى العالم. فأين تكمن المشكلة إذن؟. العامل الأساسى الذى كان يجب أن يؤخذ فى الاعتبار لفهم الأبعاد الحقيقية للمشكلة، والذى يبدو أن الجميع أهملوه، يتعلق بضعف مستويات الأجور والتى تحسب المعاشات على أساسها. ومن المعروف للكافة أن مصر عندما قررت تبنى سياسات الإصلاح الاقتصادى التى اقترحتها المنظمات الدولية لم تقم بزيادة الأجور على نحو يتناسب مع الزيادات الهائلة فى مستويات الأسعار والخدمات. لذا أصبح نظام الأجور السائد نظاماً مشوهاً وغير عادل ولا يناسب مستويات المعيشة للغالبية العظمى من السكان. الحل إذن يكمن فى: 1- تعديل نظام الأجور على نحو يحقق العدالة ويكفل حدا أدنى من مستويات المعيشة الكريمة لكل العاملين، وهذا هو دور المجلس الأعلى للأجور الذى لم نر له إنجازات تذكر منذ إنشائه. 2- أن تترك وزارة المالية مهمة إدارة أموال التأمينات لأصحابها بالطريقة التى يرونها ملائمة لتحقيق مصالحهم، وهو ما يتفق مع الحكم الصادر مؤخرا عن القضاء الإدارى، والذى يوحى بوجود شبهة عدم الدستورية فى قرار وزير المالية بالهيمنة على هذه الأموال وإدارتها. لكن ماذا عن القانون الجديد الذى يروّج له وزير المالية، هل هو أفضل؟.. هذا ما سيوضحه لنا الدكتور عطية غدا بإذن الله.