فى أول يوم عمل له اندلعت أزمة قافلة شريان الحياة، ولم تكد المشكلة تهدأ حتى فاجأت السيول وادى العريش بعد هدوء دام قرابة ال30 عاما. أشهر فقط مضت على توليه منصب محافظ شمال سيناء، وهو المنصب الذى يعتبر مغرماً لا مغنما، بكل ما يحمله من ملفات متفجرة بداية من مشكلات الحدود والجدار الفولاذى الفاصل، مرورا باعتصامات البدو ومشكلات التهريب والأنفاق، وأخيرا وليس آخر السيول التى لم تبق ولم تذر، إنه اللواء محمد مراد موافى، محافظ شمال سيناء. فى مكتبه بالعريش التقت «المصرى اليوم» الرجل، الذى عرف عنه أنه «قليل التحدث لوسائل الإعلام»، أبدى الرجل تفهما لحجم مسؤولية حراسة البوابة الشرقية لمصر، وتفهما لمشكلات شائكة، وخلال الحوار دافع بقوة عن سيادة مصر، وقال إنه ضد الحسم الأمنى فى التعامل مع البدو، واعترف بتباطؤ المشروع القومى لسيناء، ووضع حلولا لمشكلات المياه.. وإلى تفاصيل الحوار: ■ خلال فترة توليك -القصيرة نسبياً- منصب محافظ شمال سيناء، كيف ترى الوضع عشية احتفالات عيد التحرير؟ - بداية باسمى وباسم كل شعب شمال سيناء، أتوجه بالتهنئة للسيد الرئيس حسنى مبارك، بمناسبة العيد ال28 لتحرير سيناء، وبالنسبة لما تم عمله خلال فترة عملى كمحافظ، التى لم تزد على 4 أشهر، أرى أن كل إمكانيات الدولة متجهة لدعم شمال سيناء، وإذا كان فى السابق الفعل لا يتناسب مع الواقع، فأنا لا أحب الحديث إلا بعد إنجاز الأمور، وعلى سبيل المثال، لمعالجة آثار ما بعد السيل، وزارة النقل خصصت 215 مليون جنيه لعمل الكبارى والطرق لمنطقة شمال سيناء، وهو رقم كبير، وبدأنا فى الأعمال الخاصة بذلك، ووزارة الرى خصصت 80 مليون جنيه لنفس الغرض. ■ هل تعافت شمال سيناء من أثر السيول تماما؟ - عملياً، لا يوجد أحد لم يتم تعويضه، ونحن قمنا باستغلال السيول بأفضل صورة، وتقاسمت وزارة الزراعة والتنمية المحلية تكلفة تقاوى وجرارات زراعية، لتعويض البدو المتضررين، وتمت زراعة 26 ألف فدان قمح دون مقابل لصالح منكوبى السيول، وذلك فى مناطق البرس والقريعة، ومن ضمن ما استغللناه فى السيول، الثروة السمكية، فخلف سد الروافعة عندنا كمية مياه تقدر ب5 ملايين و600 ألف متر مكعب، رمينا فيها 64 ألف زريعة سمك، وبعد 15 يوماً يمكن للأهالى أن يصطادوا الأسماك من هناك. ■ نلاحظ أن هناك غياباً حقيقياً للاستثمار فى سيناء، ما السبب من وجهة نظرك؟ - هذا صحيح، لكنى آمل أن يتغير الوضع، وهناك رجال أعمال جاءوا وقاموا بدراسة لعمل مول تجارى ومشروع سياحى ضخم فى الرواق على بحيرة البردويل، كما أن بنك الإسكان والتعمير والبنك العقارى جلبا مستشارين لعمل دراسات جدوى لأهم مناطق الاستثمار السياحى والعقارى فى المحافظة، والأهم هو أننا اتخذنا خطوات لتسهيل خطوط النقل والمواصلات للعمل على جذب الاستثمارات، لذلك تم الاتفاق مع وزير الطيران على تسيير رحلتى طيران أسبوعيا إلى العريش، على أن تتحمل المحافظة ووزارة التنمية المحلية 60% من ثمن التذكرة، للتسهيل على المواطنين، وتم تخصيص 34 مليون جنيه للانتهاء من المرحلة الأولى من ميناء العريش. ■ إذا كان هذا هو الموقف فما تفسيرك لتراجع المشروع القومى لتنمية سيناء؟ - المشروعات التى ذكرتها هى أهم عناصر المشروع القومى لتنمية سيناء، فالسكة الحديد، وميناء العريش، وزراعة منطقة السر والقوارير، هى الجزء الثانى من المشروع، والمهم أنه حتى 2017 من المفروض اكتمال هذه المشروعات، صحيح أنه فى السابق كان هناك تعثر لهذه المشروعات، لكنها حاليا فى مرحلة الدراسة الأخيرة وتخصيص الميزانيات. ■ كان من المستهدف زراعة 450 ألف فدان فى المرحلة الأولى، لكن لم تتخط المساحة المزروعة أكثر من 140 فداناً فقط.. أليس هذا تباطؤا شديدا فى تنفيذ المشروع؟ - ما تمت زراعته ليس 40 ألف فدان فقط، بل 170 ألف فدان، وهناك وعد من رئيس الوزراء، بأنه فى شهر يونيو المقبل سيكون فى منطقتى رابعة وشرق بئر العبد 60 ألف فدان جاهزة للزراعة، وزارة الرى شغالة وأخذت على عاتقها هذه المهمة، أريد أن أؤكد أن هناك بالفعل خطوات اتخذت، وقد يكون حدث تباطؤ، لكن الأمور فى طريقها للتحسن. ■ نحن على بعد 7 سنوات من المفترض أن يكتمل خلالها المشروع، ولكن خلال هذه الفترة لم يتم النجاح فى جذب الاستثمار باستثناء حالات نادرة، فما الأسباب؟ - ما أريد أن أؤكده أن هناك مستثمراً قوياً جدا لا نريد أن نعلن عن اسمه– لا أحب الإعلان عن شىء قبل التنفيذ- ومجال استثماره هو المولات التجارية والسياحية، ومكان التنفيذ عند بحيرة البردويل، وعندنا منطقتان مهمتان هما «لية الحصين» و«مرفوعة» شرق العريش، وأريد أن أؤكد أن جميع مقومات النجاح متوافرة فى شمال سيناء، خسرنا كثيرا أننا لم نسوق حقيقة مهمة وهى أن نسبة التلوث عندنا صفر%، بحيرة البردويل لا فيها صرف صحى ولا صناعى وأسماكها هى الأفضل وتباع فى أوروبا بأسعار عالية. ■ هل ترى أن جزءاً من إعاقة جذب الاستثمار فى سيناء هو الشق السياسى، محافظة شمال سيناء مثقلة بالملفات السياسية والأمنية نظرا لمتاخمتها الحدود، وعطلت هذه الملفات مسيرة التنمية وجذب الاستثمار؟ - هذا شىء طبيعى، لأن التنمية كلها حلقات متشابكة، ودون شك الملفات الأمنية والسياسية أثرت على سيناء، ولما يبقى فى تهريب عبر الأنفاق، وبطول باقى الحدود يتم تهريب رعايا، فمن الطبيعى أن نشدد الرقابة الأمنية، وهذه طبيعة التأثير والتأثر، ودائما هناك تعارض بين ضرورات الأمن، وأن تسير الحياة بصورة طبيعية. ■ والتجار المسجلون فى الغرفة التجارية متضررون لأن بضاعتهم تتعرض للمصادرة على الرغم من سلامة أوراقها.. ما تعليقك؟ - أنا أؤيدكم تماما فى أن التجار لديهم مشكلات، وتكلمت مع مديرى الأمن هنا وفى الإسماعيلية ووزارة الداخلية لاحتواء المشكلة، وهى كما وضحت، دائما هناك تعارض بين تحقيق الأمن، وإنك تفتح «فالدنيا تعدى»، والإشكالية هى أنك لو خففت الإجراءات سيستمر التهريب، وإذا أغلقت فسكان العريش وتجارها سيظلمون، وأنا أعترف بهذه المشكلة، وأميل إلى عمل مواءمة بين الطرفين. ■ هناك ناس تم القبض عليهم دون حالة تلبس، بعضهم قبض عليه فى العريش أو على الكوبرى، وشركات النقل تعرضت لمشكلات عدم تمكنها من الحركة، ما الحل لكل هذه المشكلات؟ - لو عندكم أسماء تعرضت لظلم، أنا مستعد أراجع ملفاتهم، وأعمل على رد حقهم، أما لو هم مدانون.. «فماليش دعوة»، أنا أؤكد أن أغلب الناس التى تعتقل هم مجرمون، والإجرام استفحل، وبعض الناس معهم سلاح خطير، وهذه مظاهر للانفلات خطيرة، ولابد من مواجهتها. ■ هل هذا يعطى تفسيرا لانتشار ظاهرة السرقة بالإكراه فى العريش؟ - هذا الكلام توقف منذ جئت محافظا، واللى منكم من العريش يعرف ذلك جيدا، وأنا جلست مع البدو والعشائر والقبائل، وقمنا بوضع ضوابط معهم، منها أنه لو كان لهم حق عند الدولة نأتى به، وفى المقابل هم يؤدون واجبهم تجاه الدولة، ويجب ألا ننسى أن عمليات التهريب يستخدم فيها سلاح ضد عساكر الأمن المركزى، وبعضهم استشهد أو أصيب، والخلاصة أن موضوع «الفلتان الأمنى» تمت السيطرة عليه بالتعاون مع المشايخ والعواقل وإعطائهم دورا أكبر فى تنظيم المجتمع السيناوى، وطول عمرى أقول إن الذى يحفظ الأمن فى سيناء هم أهلها وقبائلها. ■ هل يعنى ذلك تحولا فى سياسة الحكومة، وتراجعا لتغليب التدخل الأمنى فى حل مشكلات البدو؟ - أنا لا أميل للمنظور الأمنى والمواجهة فى حل المشكلات، لأنها قد تحدث إيجابيات، لكن سلبياتها كثيرة، وأكرر، أهل سيناء هم المسؤولون عن تأمينها، قبائل سيناء طول عمرها تؤمن أرضها، وطول عمرنا نعرف أن الأعراف والتقاليد تضع حلولاً لكل المشكلات. ■ من أهم مطالب المواطن السيناوى أن تعترف الحكومة بملكيته لأرضه، متى تحل مشكلة الملكية فى سيناء؟ - سيناء لها وضع خاص، بعض الناس ألقى القبض عليهم لبيعهم الأرض للأجانب، ومنهم إسرائيليون، والدولة وضعت الضوابط لمنح السكان الأرض مقابل حق الانتفاع، الدولة الوحيدة التى فيها حق ملكية هى مصر، فى الإمارات مثلا، الأرض ملك الدولة، تعطيها لمن يريد بنظام حق الانتفاع. ■ المشكلة أنه فى الوقت الذى كانت فيه مكاتب الملكية فى عموم الجمهورية تسجل ملكيات المواطنين، كانت الحكومة تتعامل مع أهل سيناء طبقا لقانون استغلال الأراضى الصحراوية، مما أعطى شعورا للمواطن السيناوى بانتقاص حقوقه فى المواطنة، وعدم مساواته بالآخرين؟ - أنا أنفى عدم المساواة نهائيا، والمواطن السيناوى الذى يتقدم بما يثبت ملكيته نحرر له عقود ملكية نهائية، وأنا كل يوم أوقع على هذه العقود، طبقا لقرار رئيس الوزراء 2041 الذى يثبت ملكية الأرض المبنية والزراعية، وهذا لعموم مواطنى سيناء، لكن لا نقوم بتمليك الأجانب لأن محافظة شمال سيناء هى أخطر خط مواجهة، والجميع يعرف ذلك. ■ وهل سيتم تمليك الأراضى للمستثمرين أيضا؟ لا.. التمليك لمواطنى سيناء فقط، و«هاتفرق ايه مع المستثمر» عندما أعطيه أرضا بنظام حق الانتفاع لمدة 99 سنة، لن يأتى أحد ويقول له «سيب أرضك وامشى»، لكن نحن عندنا عقدة اسمها «الملكية»، وأنا أدعو من خلال الجريدة كل المستثمرين المصريين للتقدم بطلبات تخصيص أراض استثمارية بنظام حق الانتفاع مثل كل الدول ودون أى صعوبات، أما فيما يخص عدم تمليك الأجنبى أراضى فى سيناء، فهذا توجه للدولة، ومن حقها وضع ما تراه ضروريا للحفاظ على سيادتها. ■ هل هناك اتجاه لترحيل الساكنين على الشريط الحدودى مع غزة إلى مناطق أخرى، فى إطار خطة تأمين الحدود مع القطاع؟ - ليس هناك خطة للترحيل، وما يحدث من نقل للمواطنين من الشريط سيتم برضائهم، وهناك أهالى انهارت منازلهم بسبب الأنفاق، وأنا أعلن أن أى مواطن ينهار منزله أو يريد السكن بعيدا عن الحدود سنوفر له البديل المناسب فى رفح أيضا، ولن نقوم بخطوة لا يرضى عنها الناس. ■ فى إطار الحديث عن رفح، هناك عدد كبير من المواطنين عليهم محكوميات غيابية عالية، تصل إلى 40 سنة سجنا، لماذا لا تقود الحكومة مبادرة لتخفيض هذه المحكوميات لنزع فتيل التوتر؟ - هذه أحكام قضائية تحترم، وأنا لا أتدخل فى أحكام القضاء، ولو هناك أحد مظلوم، أنا مستعد لبحث حالته، لكن ينبغى أن يتم ذلك بصورة فردية، يعنى من وقع عليه حكم 25 سنة ما تصوركم للجريمة التى ارتكبها، «لازم جريمة قتل مثلا»، وهذا لا يمكن العفو عنه، وحتى التهريب، أليست هذه جريمة، وهل المطلوب أن الدولة تترك هؤلاء المهربين، بدلا من تغليظ العقوبة لزيادة الردع. ■ ما الإجراءات التى اتخذت لضمان عدم تكرار خسائر السيول فى الأعوام القادمة؟ - السيول كانت نعمة من ربنا، ما حدث من خسائر، سببها ليس السيل وإنما جشع بعض الأفراد الذين أقاموا مزارع زيتون فى مجرى السيل، وبعد أن كان عرض المجرى 4 كيلومترات، ضاق إلى 40 مترا، والناس اعتمدوا على أن المياه لم تتدفق بهذه الصورة منذ 30 سنة، وأنا اتخذت قرارا بإزالة أية إشغالات على مجرى وادى العريش حتى لو تأخر السيل 100 عام لن يبنى أحد أو يزرع هناك أى شىء، والحمد لله، تم تعويض كل المتضررين، وحتى المخالفين منهم تم تعويضهم. ■ لماذا لا يتم ترخيص آبار المزارعين حتى الآن فى عموم شمال سيناء؟ - هذه مشكلة نبحثها مع وزير الزراعة، وهى تحتاج لآلية تنظيم، غير مقبول أن كل واحد يضرب بئرا فى أى مكان، هذا مخزون مائى يتعرض للنفاد، ويجب دراسة استغلاله، والمشكلة أن «أى حاجة فيها تنظيم لا تعجب الناس، الناس عايزة تمشى بسيارات بدون نمر، وتمشى عكس اتجاه السير»، لكننا سنراجع مشكلة ترخيص الآبار وأعد بحلها. ■ الجدار الفولاذى الفاصل أوشك على الانتهاء.. هل تعتقد أنه سيمنع التهريب حال اكتماله؟ - الجدار العازل ليس مسؤوليتى، هو مسؤولية الأجهزة الأمنية المختصة، وهى الجهة المنوط بها الإجابة عن السؤال. ■ نحن مقبلون على انتخابات مجلس الشورى.. كيف يرى المحافظ خريطة المرشحين الذين تقدموا للمجمع الانتخابى؟ - وصل عدد المرشحين إلى 8 من الحزب الوطنى، ومن سيقرر فى النهاية هو المجمع الانتخابى، وكل واحد «بذراعه»، لكن أنا لا أدعم أحدا على حساب آخر، وأراقب دون تدخل، ومن يريد أن يترشح كمستقل فأهلا وسهلا به. ■ قطاع الخدمات فى شمال سيناء متدهور تماما، خاصة الصحة، وأوضاع المستشفى العام فى العريش صعبة جدا، هل هناك تصور لتحسين الخدمات فى هذا المجال؟ - نحن نولى اهتماما خاصا بالقطاع الصحى، وفى زيارة السيدة سوزان مبارك وعدت بتوفير تبرعات من الهلال الأحمر للنهوض بالخدمات الصحية فى العريش، وحاليا تم تخصيص 2 مليون جنيه بصفة عاجلة لصيانة المصاعد وغرف العمليات والمغسلة والمشرحة فى مستشفى العريش العام، وخلال الفترة القادمة سيرى الجميع التغييرات نحو الأفضل بإذن الله.