هناك شىء ما يحدث فى جريدة «الأهرام» العريقة يستحق تفسيراً، ولا يجب أن يمر دون توضيح. الكاتب الصحفى الزميل أسامة غيث، مدير تحرير الجريدة المتخصص فى الشأن الاقتصادى، يكتب مقالاً أسبوعياً رصيناً ومفيداً على صفحات الجريدة، وكان الزميل قد بدأ سلسلة مقالات حول مشروع قانون التأمينات والمعاشات الجديد، تحمل رؤية نقدية ووجهة نظر مختلفة عما يروج له الدكتور يوسف بطرس غالى، وزير المالية، ومعاونوه، ونشر من هذه السلسلة المقال الأول، ونشر المقال الثانى فى الطبعة الأولى فقط، وتم رفعه من الصفحة فى الطبعات التالية، واستبداله بتقرير خبرى، وتوقفت هذه السلسلة تماماً. الزميل أسامة غيث، عضو لجنة السياسات فى الحزب الوطنى أيضاً، اتهم غالى بالتدخل لوقف هذه المقالات، وقال إنه كان بصدد كتابة ثلاثة مقالات عن مشروع القانون الجديد، وبالفعل تم نشر المقال الأول، وفوجئ بمنع الثانى، وعندما سأل كان الرد أن الدكتور يوسف بطرس غالى، وزير المالية، صاحب مشروع قانون المعاشات الجديد، منع صرف شيك للأهرام وهدد بأنه لن يرسله فى حال نشر المقالين المتبقيين لغيث.. غيث قال ذلك على الهواء مباشرة فى مقابلة مع الزميل جابر القرموطى على قناة «أون. تى. فى»، وأضاف أيضاً أن وزير المالية سبق أن منع مقالتين لزميلين فى «الأهرام» قبل ذلك لنقدهما سياساته، ولفت إلى أن غالى يعرف عبر صحفيين فى «الأهرام»، يعملون مستشارين للوزراء، بما تحتويه الجريدة قبل طباعتها فيتدخل، مضيفاً: «أحشاء الأهرام بقت فى الخارج». ما قاله أسامة غيث خطير جداً، ليس لأننى أجزم بصحته، وإنما لأنه يصدر عن مسؤول كبير فى «الأهرام»، يعمل مديراً للتحرير، ويشغل أيضاً عضوية أمانة السياسات، أى أنه ليس من المعارضة «المغرضة»، وقاله على الهواء بما يجعل فرصه فى التراجع عنه معدومة تماماً، فلن يجوز القول إنه أسىء فهمه، أو إن تصريحاته تم تأويلها بعيداً عما كان يقصده. يجب ألا يمر هذا الحديث دون رد وتوضيح من وزير المالية، الذى يبنى، مع جميع زملائه من وزراء المجموعة الاقتصادية، قبولهم ومستوى الثقة فيهم من انفتاحهم وانتهاجهم قدراً عالياً من الشفافية، وثقافة غربية فى الأساس حققت تكوينهم العملى والاحترافى، فكيف يضيق بالنقد إلى هذا الحد الذى يصفه أسامة غيث، كيف يقبل النموذج الاقتصادى الغربى وقيمه، ولا يقبل نموذجه الديمقراطى بكل ما ينضوى تحته من قيم حول احترام الاختلاف، والحق فى تداول المعلومات؟ كما تبقى إدارة «الأهرام» مطالبة بتفسير عدم نشر مقالات غيث، وتوضيح السبب «القهرى» الذى دفعها لرفع أحد هذه المقالات فى الطبعات التالية، بعد نشره فى الطبعة الأولى. الدكتور عبدالمنعم سعيد، الذى لا ينكر أحد التغيير الذى طرأ على «الأهرام» تحريرياً وإدارياً منذ تولى رئاسة المؤسسة العريقة، مطلوب منه وبشكل عاجل أن يجيب عن كل التساؤلات التى فجرتها تصريحات غيث. للقضية 3 أطراف، أحدها قال ما عنده، ولا يليق أن تجزم بشىء قبل أن تستمع إلى الطرفين الآخرين، أما إن أصرا على الصمت أو تأخرا فيه، فقد صدق أسامة غيث وقرع ناقوس الخطر، ولا أعتقد أنك تحتاج توضيحاً لخطورة ذلك ليس على «الأهرام» فحسب، لكن على الصحافة كمهنة، وعلى كل أحلام الانفتاح والديمقراطية..! [email protected]