ما جرى منذ يومين فى اجتماع مشترك للجنتى الدفاع والأمن القومى وحقوق الإنسان، عُقد للنظر فى أحداث العنف التى أعقبت مظاهرات 6 و13 أبريل، يعكس بالضبط حالة وحقيقة نظام يشعر بالخطر. فقد وجّه نواب من الحزب الحاكم انتقادات شديدة اللهجة إلى وزير الداخلية لأنه تعامل مع المتظاهرين ب«حنية»، ولم يتردد أحدهم فى مطالبة وزير الداخلية وجنوده بأن يكونوا «رجالا» أصلب عودا فى المرات القادمة، وألا يترددوا فى إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين «الخارجين على القانون»، بل ذهب آخر إلى حد القول: «بناقص شلة فاسدة، لن يزيد عددها على مليون، عايزة ترجّع انتفاضة الحرامية. فمصر تستطيع أن تعيش ب79 مليوناً فقط». المقلق أكثر هنا أننا لم نسمع أن رئيس المجلس، وهو أستاذ جامعى متخصص فى القانون «الجنائى»، ثار أو غضب لما حدث وقام باتخاذ إجراءات تبيحها لائحة المجلس لإحالة النواب المحرضين على قتل الشعب تحت قبة «مجلس الشعب» إلى «محكمة تأديبية». فما دلالة ما حدث فى تلك الجلسة التاريخية؟ أعتقد أن له دلالات ثلاثاً: الدلالة الأولى: أن الأوساط الرسمية فى مصر، إدارة وحكومة وحزبا ونوابا وكتبة، تعيش حالة هلع كبير وحقيقى. فما قيل فى مجلس الشعب ليس مقطوع الصلة بما قيل ويقال فى أوساط رسمية عديدة تدل تصرفاتها هذه الأيام - خاصة منذ سفر الرئيس الأب لإجراء جراحة دقيقة فى ألمانيا - على أنها تمر بحالة عصبية شديدة تكاد تصل بها إلى درجة «الهستيريا». ولأن النظام الحاكم، على جميع مستوياته، يحس الآن بدنو الأجل وبأنه على وشك أن يفقد كل شىء، فقد بدأ يتصرف وكأنه فى حالة دفاع عن النفس تبيح له استخدام القوة، حتى ضد مواطنين عزل، لأنهم انحازوا إلى قضية التغيير ويسعون جاهدين لكى يستعيد شعب مصر سلطته المغتصبة وثروته المنهوبة. الدلالة الثانية: أن نواب الحكومة، والنواب التابعين لهم أو المرتبطين بهم، لم يعودوا يشعرون، فى ظل حالة الهلع المسيطرة عليهم هذه الأيام، بالحاجة للاستمرار فى ارتداء الأقنعة، وبالتالى أصبحوا لا يبالون بسقوطها. ولأنهم يدركون تمام الإدراك أنهم لم يكونوا فى يوم من الأيام، ولن يكونوا أبدا، نوابا عن «شعب» لم يمنحهم ثقته لأنه لم تتح له يوما فرصة التصويت فى انتخابات نزيهة، فمن الطبيعى ألا يخالجهم أى شعور بالخجل إن هم انحازوا بطريقة مكشوفة إلى أجهزة أمن يدينون لها بالولاء، وسعوا لتحريضها لاستخدام القوة ضد شعب قرر أن يتخلى عن سلبيته وينتفض. الدلالة الثالثة: أنه ليس من المستبعد على «نواب عقارات» و«نواب قروض» و«نواب علاج على نفقة الدولة» و«نواب قمار وتهريب» و«نواب احتكار» أن يحرضوا على قتل شعبهم. فاللص قابل لأن يتحول بسهولة وسرعة إلى قاتل. والسؤال: هل نحن بصدد مناورة للتهييج بقصد إثبات أن الأوضاع فى البلاد غير مستقرة، وأن الحاجة باتت ماسة بالتالى لتمديد حالة الطوارئ، أم أن الأمر أخطر من ذلك؟ هذا سؤال يتعين أن يطرحه الجميع وأن يستعدوا منذ الآن لمعركة التمديد!