منذ بداية تنظيم الوظيفة العامة فى مصر فى منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين، وحتى صدور القانون رقم (46) لسنة 1964، ثم القانون رقم (58) لسنة 1971، ثم القانونين رقم (47) لسنة 1978 للعاملين المدنيين بالدولة، ورقم (48) لسنة 1978 للعاملين بشركات القطاع العام، يكتشف أى محلل أو باحث أن السعى نحو العدالة والمساواة كان يصطدم دائما ببيئة اجتماعية وثقافية ووظيفية مسكونة بالمحسوبية والوساطة، ومن ثم إهدار مفاهيم الجدارة والكفاءة والإبداع. فقبل عام 1964 اعتمدت النظم الوظيفية المصرية على أساليب التقييم الشخصى للوظائف مستوحية فى ذلك النموذج البريطانى فى تقييم الوظائف، من حيث مستوى الإجادة والخبرات ومن ثم تحديد نطاق الأجر والمرتب. بيد أن تطبيق هذا النظام وسط بيئة وظيفية تحيزت لممارسات الوساطة والمحسوبية، أدى إلى ميل المشرع الإدارى فى مرحلة لاحقة –بعد عام 1952– إلى الأخذ بنظام مختلف فى تقييم الوظائف يعتمد على مفهوم الواجبات والمسؤوليات الخاصة بكل وظيفة والذى أطلق عليه النظام الموضوعى فى تقييم الوظائف objective classification وجرى التوسع فيه مدفوعا بسعى إلى المساواة. ومن هنا جرى تنميط الوظائف فى مجموعات نوعية، منذ عام 1978، مما أدى فى المحصلة النهائية إلى ما بات يعرف ب«تسعير الشهادات». ولم تفلح محاولات الحكومات المصرية المختلفة –خاصة بعد عام 1987– عبر الزيادة السنوية المستمرة فى بنود الأجور المتغيرة فى ربط هذا المتغير الجديد بمفهوم الإجادة أو ما يسمى فى الأدبيات الإدارية مبدأ «الثواب والعقاب»، وإنما تحول فى الواقع إلى مجرد محاولة عشوائية لتدعيم القيمة النقدية للأجر أو المرتب لموظفى الجهاز الإدارى للدولة والهيئات العامة.