لم يعد الرأى العام الفلسطينى ينشغل بالقمة العربية، التى تعقد دورتها ال22 العادية فى مدينة سرت الليبية، رغم اهتمام المسؤولين الرسميين، والشخصيات الوطنية التى تؤكد مشاركتها، وتطالب بإيجاد الحلول لقضيتهم. فالشارع الفلسطينى لا ينظر لهذه القمم إلا باعتبارها رقما جديدا يضاف إلى قائمة طويلة من القمم التى لم تخدم قضيتهم. المتتبع لتاريخ هذه القمم منذ 28 مايو 1946، عندما دعا الملك فاروق إلى عقد قمة طارئة فى أنشاص لنصرة القضية الفلسطينية، يلحظ أن سقف المطالب العربية كان ينخفض تدريجيا عاما بعد عام، تماشيا مع الموقف المتدهور، خاصة أن مواقف الجامعة العربية كانت تأتى دائما كرد فعل بدلا من خطوة استباقية لمنع أى خطر داهم. ويجسد انخفاض سقف المطالبة بالأرض والحدود المثال الصارخ لذلك، فبينما طالبت قمة أنشاص «بوقف الهجرة اليهودية وقفاً تاماً»، لا تكاد الجامعة الآن تثير تلك المسألة، واكتفت برفع «اللاءات الثلاثة» الشهيرة فى قمة الخرطوم 1967، المتمثلة فى «لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح». وفى حين أكدت قمة عمان 1980 أن «قرار مجلس الأمن رقم 242 (الداعى للانسحاب إلى حدود 67) لا يتفق مع الحقوق العربية»، اعترفت فى قمة فاس 1982 ضمنيا بوجود إسرائيل القائمة على حدود 48، وأقرت فى بيانها الختامى «مشروع السلام العربى مع إسرائيل»، شرط انسحابها من جميع الأراضى العربية المحتلة عام 1967، وإزالة المستعمرات، التى لا يزال التوسع فيها والتفاوض عليها قائما حتى اللحظة. يقول هانى المصرى، مدير مركز بدائل للدراسات السياسية، إن الفلسطينيين، كما العرب، فقدوا توقعاتهم بالقمم العربية لأنها لم تعد بمستوى قضايا الأمة ولا تطلعاتها، ويرى المصرى أن الدليل على ذلك هو أحدث قرار للجنة المتابعة، التابعة للجامعة العربية نفسها، والذى أعطى فرصة لإسرائيل من خلال إعادة استئناف المفاوضات غير المباشرة، بالتنصل من جرائمها بحق الفلسطينيين. ويرى أن القمم العربية لم تعد مقنعة ولا ذات فائدة للقضية الفلسطينية وخاصة بعد 1993 حين وقع الفلسطينيون اتفاقية السلام مع إسرائيل. وبالعودة إلى تاريخ القمم العربية وقراراتها نجد أنها ومنذ قمة أنشاص وحتى العام الماضى كانت داعمة بالعبارات والألفاظ المعنوية للقضية الفلسطينية وتركزت على تأكيد «عروبتها» واعتبرتها «لب القضايا العربية». وفيما يتعلق بعملية السلام، حددت القمم العربية، وخاصة تلك التى عقدت بعد 1967 شروطا للدخول فى مفاوضات مع الاحتلال، أهمها انسحاب إسرائيل من جميع الأراضى العربية المحتلة وفى مقدمتها القدس، واستعادة الشعب الفلسطينى لحقوقه الوطنية الثابتة. وبقيت قرارات القمة العربية تدور فى فلك القضية الفلسطينية ودعمها حتى عام 1982 الذى تراجع فيه المطلب العربى إلى المطالبة بحدود 67. وبحسب ما أشار المصرى، فإن توقيع اتفاقية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل دون مرجعية عربية جعل القمم العربية تبدو خاوية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية : «كانت القمم التى تلت اتفاقية السلام بداية الانحدار العربى والتنازل». وبينما يحمِّل البعض قمة فاس 82 مسؤولية التردي، يرى المصرى أن مسلسل التنازل العربى بدأ عام 2002 خلال قمة بيروت التى تبنت «مبادرة السلام العربية» مع إسرائيل، تمهيدا لدخول الدول العربية فى اتفاقية سلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها شريطة الانسحاب إلى حدود 67. ويقول المصرى «المبادرة العربية كانت قمة التنازل العربي، ومع ذلك أصبحت الدول العربية فى قممها التالية تستجدى السلام من خلالها، رغم أن الأصل أن تكون لها «أنياب» تدافع عن الحق الفلسطينى، فالسلام لا يستجدى».