تسلمت رسالة مكتوبة بخط اليد على مقر الجريدة، مكونة من سبع صفحات موقعة باسم «أم معاذ» (47 سنة) تعبر فيها عن رأيها فى الاحتفال بعيد الأم: «ما إن يهل شهر مارس حتى يقفز إلى الأذهان مباشرة (عيد الأم) وما يرافقه من إحاطة إعلامية وإعلانية لمواد استهلاكية حتى يتم التخلص من البضائع المتنوعة المكدسة فى المحال ولا يخفى على كل ذى (عين بصيرة) أن (اليد قصيرة) لمعظم أبناء الشعب.. عيد الأم تحول لطقس شكلى وانتهى إلى تقاليد استهلاكية، بل احتفالات غير مبالية غالباً بالآثار السيئة على من فقدوا أمهاتهم، فهو بالنسبة للأيتام (سرادق عزاء كبير) يتجدد كل عام». رأى أم معاذ غريب بالنسبة للبعض، لكننى وجدته منطقيا جداً خاصة عندما قالت: «تعقد الاجتماعات على المستويات المختلفة لاختيار الأم المثالية.. ماذا نعنى بذلك؟ وهل يجب على باقى الأمهات تقليد الأم المثالية، أم أن كل أم بالنسبة لأولادها هى أم مثالية؟.. يقال إن الأم المثالية هى التى كافحت وصبرت من أجل أبنائها.. ومَن هى المصرية التى لم تكافح من أجل أبنائها؟ إن الاحتفال بعدد محدد من الأمهات على أنهن مثاليات هو إهدار لمعنى الأمومة فى مجتمعاتنا». بسبب خطاب «أم معاذ» طلبت من أسرة «طعم البيوت» تقديم تحقيق صغير عن الأم المثالية ستجدونه منشوراً فى هذا العدد، ولكن التحقيق لم يروِ ظمأى، وتذكرت مشاعرى عندما أصبحت أماً لأول مرة، تذكرت كيف تشعر الأم ببكاء وليدها ولو كان فى غرفة أخرى، وتذكرت كيف تستيقظ الأم من عز نومها على صوت بكاء طفلها الخافت الذى لا يسمعه أحد إلا هى، الأمومة حدس وحبل سرى مربوط بين الأم وبين طفلها، تبصر أحاسيسه منذ لحظة الميلاد، وقبل أن يتعلم كيف ينطق أول «آآآه»، وتشعر به وكأنه خطوط كف يدها، وهو ما لا يتسنى للأب، فربما تبقى وحمة أو حسنة سوداء موجودة فى مكان خفى فى جسد الطفل سرا بالنسبة للأب ولكنها لا تغيب أبداً عن الأم. الأم لا تعامل أبناءها بالمنطق ولكن بالحس، حكى لى صديق مرة كيف أن أمه أنقذته من الضياع، فشل فى دخول الثانوية العامة وكاد ذلك يصيبه باكتئاب مرضى تنعدم معه الرغبة فى الحياة، والده كان لديه تصور عن أبنائه، ونجاحهم لا يحيد عنه وكان يربط رضاه عنهم بمدى قربهم من هذه الصورة الذهنية، أما أمه فوضعها مختلف، كانت تحبه بلا قيد أو شرط، حب غير مرهون بصيغة أو منطق، تحبه كما هو وهذا الحب هو الذى أنقذه وجعله يردد مقولة محمود درويش: «وأعشق عمرى لأنّى إذا مُتّ، أخجل من دمع أمّى»، ثم يضحك وهو يقول لى: «لا تصدقى من يقول لك خذى اثنتين والثالثة مجاناً، فلا شىء مجانياً فى هذا العالم إلا حنان الأم». الأمومة ليست لقبا، أو دوراً أو صفة، ولكنها إحساس يدوم، وقدر يملأ ويملك حياة الأم.. كل أم، فالمجد للأمهات، كل الأمهات.