فى الاحتفال بيوم الشهيد، حصلت « المصرى اليوم» على 9 خطابات «رومانسية» ممزوجة بكلمات «ثورية» أشبه بقذائف الحرب، بعث بها أحد قادة الجيش الثالث إلى زوجته وأم أبنائه، ليعبر لها عن اشتياقه إليها فى ظل ليال موحشة و«برد قارس» فى عز أيام «الصيف» انتظارا لحرب لا تجىء، وإن جاءت بهزيمة ولكنه لم يلحق بها.. واستشهد المقدم أحمد زكى على «أمل» أن بلاده منتصرة و«لو بعد حين».. هذه الرسائل اختصتنا لنقرأها معها وسننشر بعضا منها، لنتذكر أياماً ومشاعر جميلة مرت، ولم تعد موجودة سوى فى كلمات على أرواق قديمة، أصفرت بفعل الزمن ولكنها ناصعة البياض فى قلوب أصحابها. «الجمعة فى 2 يونيو 1967» زوجتى العزيزة جيهان.... «أشواقى ثم أشواقى أبعثهم إليك يحملون تحياتى ويعبرون لك عن ضنى بعدك عنى وقسوة وألم نفسى فى وحدتى وعزلتى عنك.. الأيام تمضى والليالى تمر ولا أدرى كيف ستنتهى ولا أدرى إلى أين المصير.. فاليوم مشجون بالأخبار المثيرة والمعلومات المهيجة والليالى تمر بنا ونحن لها قابعون مستعدون متنمرون نبتغى الثأر ونشتهى القتال نتمنى لو تركوا لنا عنان أنفسنا لنذهب إليهم.. نلسعهم بالنار المستعرة المشحونة بالحقد والكراهية والازدراء ونحرقهم بالبغضاء التى طال حبسها فى نفوسنا.. نعم نار الثأر والحقد والبغضاء والتى شحنت بها نفوسنا منذ عام 48». زوجك المخلص أحمد زكى لم تكن هذه الرسالة مجرد كلمات تعبر عن مشاعر زوج بعيد عن زوجته ومحبوبته وأم أبنائه، ولكنها كانت كلمات تمثل مزيجا من حب الرومانسية وحب القتال لتحرير المحبوبة الأولى «الوطن» من قبضة آسرها ومستعمرها.. كلمات كشفت عن انتظار المقاتلين الإعلان عن «ساعة الصفر» ليبدأ الثأر.. فكانت هذه الكلمات جزءاً من خطاب أرسله المقدم أحمد زكى قائد إحدى الكتائب بالجيش الثالث الميدانى لزوجته من «خط النار» قبل اندلاع حرب 67 ب48 ساعة فقط، ضمن العديد من الرسائل والخطابات التى أرسلها لها وهو بعيد عنها ينتظر وقت الإعلان عن الحرب، وكانت هذه الرسالة هى آخر واحدة أرسلها «زكى» لزوجته قبل استشهاده، ليكشف عن المشاعر الإنسانية لمقاتلينا وقت الشدة، والتى وصف فيها زوجته بأنها محارب أيضا ولكن فى البيت. بدأت أولى رسائل زكى إلى زوجته يوم الخميس 25 مايو وأنهاها يوم الأحد 4 يونيو 1967، عبر فيها عن مشاعر فياضة وحب دائم، لم ينساه أو يتناساه فى ظل حرب منتظرة، كما أنه لم ينس وطنه فى ظل مرضه، حيث أصيب «زكى» بمرض فى القلب خلال شهر مارس 67، واضطر للحصول على إجازة مرضية طويلة للراحة إلا أنه عندما اتصل به قائده فى 12 مايو 67 لقطع تلك الإجازة، والعودة إلى وحدته بمنطقة «الشلوفة»، لم يتراجع ورتب حقائبه للسفر، وقبل مغادرته أوصى ابنيه مدحت وممدوح بالاهتمام بوالدتهما وكأنه يشعر بأن هذه هى المرة الأخيرة التى سيرى أسرته فيها. ولم تكن حرب 67 هى الحرب الوحيدة التى شارك فيها زكى، فقد شارك فى حرب 56 وحرب اليمن، إلا أن كلماته فى رسائله كانت تعبر عن إحساسه بأنه لن يرى أبناءه وزوجته مرة أخرى، حيث قال فى إحدى رسائله بتاريخ 29 مايو، ليهنئ فيها ابنه مدحت على نجاحه: «أما بخصوص حضورى إليكم فهذا شىء غير معروف، وعلمه عند الله، وهذا حسب الأحوال». وبالرغم من مرور نحو 43 عاما على استشهاد القائد أحمد زكى، إلا أن زوجته جهينة أو « جيهان» - كما كان يحب أن يناديها دائما – لاتزال تتذكر بطولاته، وتعتصر حزنا وألما و«غيرة» بسبب عدم قضائها معه أوقاتاً «أكثر»، بسبب محبوبة أخرى هى «سيناء».. تلك الأرض التى شاركتها الحب فى قلب زوجها طوال الوقت حتى أخذته للأبد، ودفن فى ترابها دون أن تراه لآخر مرة. جيهان التى فقدت والدتها وزوجها فى شهرين ودخلت فى منتصف العقد الثامن تقريبا، لاتزال تتذكر زوجها بعيون تأبى أن تنسال منها الدموع أمام الغرباء، ولكنها تخونها دائما وتخرج لتعبر عن حزنها واشتياقها لحبيبها، خاصة عندما تتذكر نبوءة إحدى العرافات لها بأن زوجها «سيفقد» فى حرب «كبيرة» ، وهو ما جعلها تأمل فى عودة زكى فى أى وقت بعد انتهاء الحرب ، على الرغم من عدم إيمانها بالعرافات والتنجيم ، حتى إنها لم تعترف بالشهادة التى تم إصدارها باستشهاده، ولم تستخدمها يوما لتعليم أبنائهما أو تخفيض أى مصاريف لأسرتها، وكانت صدمتها الحقيقية عندما دق باب شقتها صباح يوم 8 مارس 1972 ليبلغها مندوب من قيادة المنطقة العسكرية المركزية، بدعوتها لتكريم اسم زوجها الشهيد، ولم تتمالك نفسها وانخرطت فى بكاء شديد هى وأبناؤها، ولكنها لم تفقد أمل العودة . أكدت جيهان أن الخطابات التسعة التى أرسلها لها زوجها، كانت مليئة بالأشواق والاهتمام بالأبناء والجيران، مشيرة إلى أنه كان يطالبها بالدعاء له أن يكون خطابه المرة المقبلة «بعد الحدود المصرية» حيث كانت المسافة بينه وبين العدو لا تزيد على 4 كيلومترات فقط . واختتمت جيهان كلامها عن زوجها، قائلة: «قبل الحرب بثلاثة أيام فقط جاءنى خطاب طويل جدا على غير المعتاد، حيث إن خطاباته السابقة لم تتجاوز الصفحة الواحدة، إلا أن خطابه هذا كان مليئا بالشجن والأمل فى النصر، ووصفنى فيه بأننى أحارب أيضا ولكن فى جبهة مختلفة، واختتمه بتوصيتى بحسن تربية الأبناء»، مؤكدة أنها تشاهده أمامها دائما فى أبنائهما الأربعة وتتذكر بطولاته ومشاعره الجميلة تجاهها من خلال «الكلمات» المسطورة فى خطاباته، ولكنها لاتزال تنتظر عودته.