الانتقام من الدولة

الدولة فى مصر كيان راسخ وقديم حتى لو ترهلت وساء أداؤها فى عهد مبارك، فهى بالتأكيد فى حاجة إلى إصلاح وإعادة هيكلة وربما تطهير، وليس الهدم والتفكيك.
والدولة تمسّك واحتمى بها الشعب أثناء ثورته، ورفع شعاره الخالد: «الشعب يريد إسقاط النظام»، ولم يقل «الشعب يريد إسقاط الدولة»، وحين نزل الجيش إلى شوارع مصر هتف الناس «الجيش والشعب إيد واحدة»، معبرين عن ثقتهم فى ركيزة هذه الدولة، ممثلة فى المؤسسة العسكرية.
والمؤكد أن هذه المؤسسة، وبدرجة كبيرة هذه الدولة، حمتهم من الأخطار الكبرى التى تعرضت لها كثير من الدول الكبرى من ليبيا إلى العراق ومن اليمن إلى سوريا، فقد حافظ الجيش على تماسكه وانضباطه وبقيت الدولة رغم نجاح الثورة.
صحيح لقد حمى الجيش مصر ومازال من أخطار كبرى، فى حين فشل المجلس العسكرى فى إدارة المرحلة الانتقالية وارتبك أداؤه واتسم بالضعف والتخبط حتى تحولت أوراق القوة التى فى يده إلى نقاط ضعف انقلبت عليه.
والحقيقة أن تحدى إصلاح الدولة يختلف جذريا عن الهدف المعلن أو الضمنى للبعض، هو الانتقام من الدولة، وتصفية الحسابات مع مؤسساتها بسبب أخطاء النظام السياسى السابق، فيصبح هدف البعض ليس إعادة هيكلة «الداخلية» على أسس مهنية ومحايدة، إنما الانتقام منها لأن بعض أفرادها ارتكبوا أخطاء جسيمة بحق الإخوان أو غيرهم من القوى السياسية، والأمر نفسه ينسحب على القضاء الذى حوله بعض قيادات الإخوان من قضاء شامخ قالوا فيه أشعارا، قبل ثورة 25 يناير، إلى قضاء مزور بعد أن تراجع، ولو بشكل نسبى، مركزهم الانتخابى، غير أن مركزهم فى انتخابات الرئاسة مهدد.
فقد نسى كثير من هؤلاء دور هذا القضاء المتكرر فى الإفراج عن كثير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى العديد من القضايا التى لفقها النظام السابق لهم، قبل أن يقرر مبارك إحالتهم إلى المحاكم العسكرية، وبفضل هذا القضاء المدنى أجريت انتخابات تشريعية شبه نزيهة فى 2005 حصلت فيها جماعة الإخوان على 88 مقعدا، وتحملت إهانات كثيرة من قبل بلطجية النظام السابق.
ومع ذلك ظل هدف الثورة معلقاً: إسقاط النظام وإصلاح الدولة، صحيح فقد سقط جزء من النظام وبقيت الدولة بلا أى إصلاح، لكن يظل هذا هو التحدى القادم.
إن التقدم الذى حققه حمدين صباحى فى سباق الرئاسة دار، فى جانب منه، حول هذه النقطة، فالمطلوب منه ليس الهتاف بسقوط العسكر والداخلية والقضاء كما تفعل الجماعات الاحتجاجية، إنما إعادة بناء هذه المؤسسات وإصلاحها لأن «الدولة العميقة» مثل كل الدول ستسمح بإصلاحها لا الانتقام منها.
amr.elshobaki@gmail.com