لست متأكدا من صواب القرار الذى اتخذته بالموافقة على كتابة عمود يومى فى الصحيفة التى اعتدت أن أكتب فيها مقالا تحليليا أسبوعيا. ورغم إدراكى لصعوبة المسؤولية الجديدة وما تنطوى عليه من تحديات، خصوصا بالنسبة لأمثالى ممن اعتادوا كتابة الدرسات الأكاديمية أو المقالات التحليلية، إلا أننى قررت فى نهاية المطاف أن أقبل التحدى وأخوض التجربة، وذلك لعدة أسباب أهمها: 1- أن الكتابة اليومية تعد فى حد ذاتها تجربة مثيرة وتكسب صاحبها مهارات عديدة ومن ثم تستحق أن تخاض بصرف النظر عما قد تنطوى عليه من تحديات. 2- أنها تتيح فرصة أفضل للتعليق على أحداث محلية ودولية تتدافع وتيرتها بسرعة كبيرة يصعب على المقال الأسبوعى مواكبتها. 3- تساعد على نسج علاقة خاصة بين الكاتب والقارئ تختلف كثيرا عن نمط العلاقة بين القارئ وكاتب المقال الأسبوعى وتنطوى، من ثم، على قدر من الإغراء يصعب مقاومته. قراء الأعمدة اليومية جمهور شديد التنوع. فمنهم مسؤولون وصناع قرار بحوزتهم كم هائل من المعلومات وبوسعهم، إن أرادوا، مد الكاتب بمعلومات قد يرون أن من المفيد طرحها للنقاش العام. ومنهم مهنيون يملكون الخبرة فى مختلف المجالات وبوسعهم، إن أرادوا، تصحيح الكاتب فيما قد يقع فيه من أخطاء فنية. لكن الأهم من ذلك أن هؤلاء وغيرهم من المواطنين المعنيين بالشأن العام لديهم رؤى ووجهات نظر فى مختلف القضايا وبوسعهم، إن أردوا تعميق المشاركة وإثراء الحوار حول ما يطرحه الكاتب من وجهات نظر. كان الراحل العظيم أحمد بهاء الدين، يرحمه الله، كاتبى المفضل. وكنت أحرص على أن أبدأ نهارى بمطالعة عموده، وأفتقده بشدة حين لا تتاح لى فرصة قراءته لسبب أو لآخر. ولم يدر بخلدى يوما أننى سأتعرف عليه شخصيا وأنا فى مقتبل حياتى المهنية، إلى أن نشر فى عموده ذات يوم من عام 1984 رأيا لأحد كبار الأساتذة يطالب فيه ببيع قناة السويس سداداً لديون مصر!. وقد استبد بى الغضب لدرجة أننى بادرت بكتابة تعليق حاد يفند وجهة النظر هذه وأرسلته للأستاذ بهاء عن طريق زميل بالجامعة. ولم أصدق عينى حين فوجئت بتعليقى منشورا بالحرف الواحد فى عموده فى اليوم التالى مباشرة. ولأن عمود الأستاذ بهاء كان مقروءا بكثافة، فقد تلقيت اتصالات لا حصر لها. ولا أظن أننى أبالغ إذا قلت إنه كان لهذه الواقعة تأثير كبير على حياتى وتعلمت قيمة وأهمية التفاعل بين الكاتب والقارئ. لا أقول هذا الكلام طمعا فى الوصول يوما ما إلى قامة أحمد بهاء الدين فى فن كتابة العمود، لكننى آمل أن يصبح هذا الحيز فى مستقبل قريب منبراً تتفاعل فيه كل الآراء الحرة.. فمرحبا بتعليقاتكم وأطلب منكم الدعاء لى بالتوفيق فى مهمتى الجديدة الصعبة!