بين أكثر مناطق حى مدينة نصر ازدحاماً، وأمام مبنى شركة «المقاولون العرب»، تقع على مساحة كبيرة مقابر «الشهداء الأتراك» فى مصر.. وهى محاطة بسور ضخم، يحجبها عن المارة ولا يّظهر هويتها سوى يافطة صغيرة موضوعة على بوابة تطل على شارع جانبى كتب عليها باللغتين العربية والتركية «مقابر الشهداء الأتراك». الفخامة الشديدة والرقى هما أكثر ما يميز تلك المقابر، وظهر واضحاً فى استخدام الرخام فى السلالم والفسقيات، ووجود أكثر من 30 شاهداً كتبت عليها أسماء 4500 شهيد ماتوا فى حروب فلسطين فى الحرب العالمية الأولى، كما جاء ذلك فى لوحة رخامية صغيرة كُتب عليها «يرقد هنا 4500 شهيد من الضباط والجنود الأتراك الذين أسروا فى الجبهة الفلسطينية وقد تم جلبهم من قبل الجانب الإنجليزى إلى بعض المستشفيات والمعسكرات المصرية». ترجع وقائع القصة إلى عام 1914، فى بداية الحرب العالمية الأولى، حيث كان النفوذ التركى فى أوج ازدهاره وقوته وتحديداً فى منطقة القدس الشريف خلال فترة الانتداب البريطانى، ومع وجود خطة قديمة لتوطين «اليهود» فى فلسطين، أصبح الأتراك المسيطرون أكبر عائق أمام تنفيذ ذلك المخطط بالإضافة إلى العرب، وهو ما أدى بدوره إلى تضامن الدولة العثمانية مع دول المحور المانيا والمجر ضد دول الحلفاء بريطانيا وفرنسا وروسيا. وهو ما استغلته بريطانيا لشن عدد كبير من المعارك على الأتراك لتنفيذ مخطط التوطين، مع تقديم وعود للعرب بمساعدتهم فى التخلص من الحكم العثمانى. خالد عبدالمنعم، المحامى المصرى ذو الأصول التركية، كان الزائر الوحيد لتلك المقابر لإصراره على قراءة الفاتحة على جد والدته التركية، الذى كان واحداً من شهداء تلك المعارك ودفن فى القاهرة، وحكى عبدالمنعم تاريخ تلك المقابر قائلاً: «رغم مقاومة الأتراك للجيش الإنجليزى فإنهم استطاعوا الفوز فى النهاية بمساعدة العرب الذين صدقوا وعود إنجلترا، بتخليصهم من الحكم العثمانى. لكنها وعود لم تتحقق، واحتراماً من الإنجليز لهؤلاء الشهداء نقلوا جثامينهم للدفن فى كل من مصر وسوريا»، وأضاف «رغم العلاقات الطيبة التى تجمع مصر بتركيا، فإن كتب التاريخ المصرية تتجاهل التاريخ التركى، وتتذكر المماليك على سبيل المثال بكل خير أكثر مما تذكر الحكم التركى». ورغم ندرة الزائرين لتلك المقابر، فإن السفارة التركية تحرص بشكل متواصل على تجديدها والحفاظ عليها، حيث تقوم حالياً بتجديد البوابة الرئيسية لتلك المقابر.