بعد ليلة رابض فيها شبان فلسطينيون داخل المسجد إثر تهديدات متطرفين يهود باقتحام المسجد الأقصى، داهمت شرطة الاحتلال أمس الباحة المقدسة بذريعة قيام محتجين فلسطينيين برشق «زوار غير مسلمين»، بالحجارة فى ساحة المسجد، وهو ما فسرته مصادر فلسطينية، فيما بعد، بأن من بين الزوار كان هناك مستوطنون. وبينما أغلقت قوات الاحتلال أبواب الحرم وفرضت المزيد من القيود على دخول الفلسطينيين، احتمى نحو 20 محتجا داخل المسجد، منضمين لأقرانهم المعتكفين، فى حين وقع آخرون رهن الاعتقال، وأصيب البعض الآخر بالرصاص المطاطى والاختناق نتيجة الغاز المسيل للدموع، مع امتداد المطاردات والاحتجاجات إلى الشوارع الضيقة فى المدينة القديمة وأزقتها. اكتمل المشهد بانتشار أعداد كبيرة من قوات الجيش والشرطة، بخوذهم العسكرية وهراواتهم، على جميع مداخل البلدة وأسطح منازلها، ليصف شهود فلسطينيون الوضع ب«المتوتر جدا»، لاسيما مع إغلاق الأبواب المؤدية إلى الموقع بسلاسل حديدية، فى وقت كان فيه المؤذنون يدعون عبر مكبرات الصوت السكان إلى «إنقاذ القدس». ومع شجب السلطة ونداءاتها للمجتمع الدولى بحماية الأقصى، ومع تزايد الشبان المعتكفين داخله، وتصاعد مطالب شيوخ القدس ب«شد الرحال»، تشتعل من جديد الأسئلة الملتهبة حول زيارة المدينةالمحتلة وآلية التضامن معها وحماية مقدساتها، الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة المهد وحائط البراق، من المخططات الإسرائيلية. وتعود إلى السطح من جديد تساؤلات ما إذا كان على مثقفى العرب، مسلمين ومسيحيين، الاكتفاء بمقالات الشجب والإدانة خلف مكاتبهم. هبوطا وصعودا يتجدد الجدل، وبعد 30 عاما من المقاطعة «الشعبية»، رغم تبادل السفراء ومكاتب التمثيل التجارى العربية مع إسرائيل، مازال المثقفون العرب منقسمون فيما بينهم بين فريق يحذر من تداعيات الانزلاق فى «التطبيع» بالانجرار وراء زيارة القدس بتأشيرة إسرائيلية، وفريق آخر يرى أن زيارة القدس فى حد ذاتها نوع من «المقاومة السياسية» وكسر لحصارها اليهودى على غرار كسر حصار غزة. فجرت مثلا احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية العام الماضى هذا الجدل. فإذا كان هناك من الفلسطينيين من رأى المشاركة فيها نوعا من المقاومة السياسية، فما بال الحال مع الخطر الآنى الذى يهدد القدس. بين الفريقين، تباينت آراء الفلسطينيين. قال الكاتب سميح شبيب، إن احتفالات القدس فى جوهرها ترسخ الكفاح الوطنى، وصاحبتها محاولات إسرائيلية لعرقلة مشاركة النشطاء والمثقفين العرب، سيما وأنهم أرادوا بالحضور التواصل مع القدس والتأكيد على عروبتها وهويتها الفلسطينية وتجذير ثقافتها الوطنية، فزيارة النشطاء تحول القدس إلى «مسرح لمقاومة الاحتلال بالأساليب الثقافية والحضارية الملائمة». ورأى الكاتب الفلسطينى أن هناك من ينصبون «فزاعات على طريق هذه الاحتفالية، وكأن المشارك بها، سيقر بالاحتلال.. فى حين أن برامج الاحتفالية كلها تقوم على أساس وطنى لا تطبيع فيه» ويضيف هناك من يدعون لمقاطعة الاحتفالية «بحجة أنها ذات طابع تطبيعى، دون تحديد لمعنى التطبيع، التطبيع بالمعنى السياسى، الخاص بنا كفلسطينيين، هو الإقرار بالاحتلال وتجسيداته من جدار واستيطان وحواجز ومعسكرات واغتصاب للأرض الفلسطينية، وفقاً لتحديدات مقررات الشرعية الدولية». ويمضى الكاتب قائلا إنه «على من يقول بالتطبيع، أن يحدد معناه وأبعاده، وأن يطرح ما يرى أنه مقاومة ثقافية، على بساط البحث»، ويتابع «فى حالة الإعلان والإشهار.. بأبعاد الاحتلال ومظاهره والمطالبة بجلائه.. فهذه مقاومة سياسية.. الحوار مع العدو ليس تطبيعا، وكل حركات المقاومة تفاوضت مع أعدائها، وتحاورت مع مؤسساته». فى المقابل، يرى اتحاد الكتاب العرب، المعروف برفضه القاطع لقيام أى من أعضائه بزيارة القدس، أنها تبقى «حلم عصى». هكذا وصفها الشاعر الفلسطينى المتوكل طه، رئيس الاتحاد، معتبرا أن «النوايا الطيبة» للتضامن مع المدينةالمحتلة لا تكفى. بل وحذر «الأشقاء العرب من المجىء»، مشيرا إلى أن «الترويج لهذه الذريعة المشبوهة هو تكريسٌ لاحتلال القدس.. التى لا يستطيع الفلسطينيون أنفسهم الدخول إليها». ويجمل طه رأيه قائلا إن قول البعض بأن «مجىء العربىّ، ولو بإذن إسرائيلى، هو كالذى يزور ابنه فى الزنزانة»، بأن الفلسطينيين فى سجنهم منذ 60 عاما.