ثابتاً فى مكانه، وقف الرجل العجوز لثوان، تطلّع فى «بِركة» مياه الأمطار التى تقطع الشارع وفكر، ثم مد يده والتقط حجرا كبيرا قذف به فى قلبها، وبحركة رشيقة تليق بشاب صغير مَدَّ قدمه، وخطا خطوة سريعة فوق الحجر ليعبر إلى الضفة الأخرى، ثم ألقى نظرة أخيرة على «البركة»، ومضى فى طريقه يتذكر تصريحات لعبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة، قرأها فى الصحف نهاية شهر نوفمبر الماضى يقول فيها: «القاهرة استعدت جيدا لاستقبال الأمطار منذ أكثر من شهر، حيث تم تشكيل لجان من غرفة العمليات المركزية وشركة الصرف الصحى وهيئة النظافة وعناصر من إدارات الأحياء للمرور على جميع البالوعات بالقاهرة ومراجعتها والتأكد من عملها بكفاءة». «الغرف المركزية وشركة الصرف الصحى وهيئة النظافة وإدارات الأحياء».. كلمات تتكرر على لسان محافظ العاصمة، يراها الدكتور أسامة عقيل، أستاذ الطرق بجامعة عين شمس، «كلمات للاستهلاك الإعلامى» والسبب: «الأمطار تتساقط على كل دول العالم، والقاهرة وحدها تغرق فى (شبر ميه)، رغم أن الحل بسيط وسهل واسمه: «شبكة صرف مياه الأمطار». شبكة صرف مياه الأمطار يراها «عقيل» كلمة السر، وتختلف حولها الرؤية الرسمية حتى بالنسبة لنفس المسؤول، فيقول المهندس محمد عبدالرحمن، رئيس شركة الصرف الصحى السابق فى 12 فبراير 2002: «الشركة انتهت بالفعل من رسم خريطة شبكة لصرف مياه الأمطار.. مهما كانت درجة غزارتها»، سيتم اكتمالها تماما فى غضون شهرين من الآن، قبل أن يتراجع بعدها بعامين فى أغسطس 2004 ويقول: «لأن مصر دولة غير ممطرة رفضنا تنفيذ شبكة الأمطار التى تتكلف مليار جنيه»، موقف يراه «عقيل» ملتبساً، ولكنه «جيد» مقارنة بنفى خالد خضر، رئيس الشركة الحالى، أى صلة له بشبكة صرف الأمطار: «شبكة صرف مياه الأمطار مهمة رؤساء الأحياء وهيئة الطرق ولا علاقة لشركة الصرف الصحى بها نهائيا، وكل مهمتنا هى مساعدة المحافظة على القيام بمهامها»، وهو ما نفاه كمال المنجى، نائب رئيس هيئة الطرق والكبارى، تماما بتصريحه ل«المصرى اليوم»: «شبكة الطرق والكبارى لا علاقة لها على الإطلاق بشبكة صرف مياه الأمطار، وأعتقد أن شركة الصرف الصحى هى المسؤولة عن إنشائها». «شبكة» حائرة بين الجهات الرسمية تراها «سهير حواس»، أستاذة الطرق بكلية التخطيط العمرانى، «الحل السحرى» لأزمة مياه الأمطار التى تتكرر، فتقول: «شبكة صرف مياه الأمطار جزء مهم جدا من البنية التحتية المطلوبة لمحافظة فى حجم القاهرة». ورفضت «حواس» حديث المسؤولين عن عدم أهمية الشبكة «لأن القاهرة غير ممطرة» وقالت: الشبكة مهمة حتى لا تتحول القاهرة إلى مدينة متجمدة فى حالة سقوط أمطار قوية، ولاستخدامها أيضا فى أوقات أخرى مثل غسل الشوارع أو انفجار المواسير، وهى الأزمات التى تكشف «عورات الشارع» وغياب الدقة أثناء إنشائها. وحول التكلفة العالية لشبكة صرف مياه الأمطار أكد «عقيل» أن حجم خسائر عام واحد بسبب الأمطار «كاف لإنشاء الشبكة»، وقدر حجم الخسائر السنوية بالملايين وقال: «تقدير الخسائر يتم بنظرة ضيقة جدا، فبسبب بعض الأمطار تحدث خسائر فى الأرواح لا تقدر بثمن، وخسائر فى عدد ساعات العمل المهدرة بسبب توقف المرور تماما، بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن تلفيات السيارات وتلفيات الطرق نفسها، وهى المبالغ التى لو تم تقديرها بطريقة علمية فسوف تفوق تكلفة إنشاء الشبكة». ورغم تنفيذ محافظة القاهرة جزءاً من الشبكة شمل 15 ألف بالوعة فى القاهرة الكبرى فقط، حسب تصريحات عبدالقوى خليفة، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى فى مناطق محددة فإن الشبكة فيها لم تعمل بطريقة جيدة والسبب- حسب الدكتورة سهير حواس- يعود إلى أن التجربة الأولى لإنشاء مثل هذه الشبكات فشلت، بسبب عدم تطبيق المعايير فى أى طريق داخل مصر، فميل الطرق وأسلوب الرصف يتم بطريقة خاطئة، بالإضافة إلى انسداد البالوعات بالقمامة، وهى الأسباب التى أدت إلى انعدام تأثير الشبكة. وأكدت «حواس» أن دقة تصميمات الطرق فى مصر يفسدها دوما سوء التنفيذ، بسبب غياب الرقابة، وهو ما يؤكده العميد محيى الصيرفى، المتحدث باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف، ويقول: «شبكة صرف مياه الأمطار مسؤولية المحافظة، وليس مسؤولية الشركة، مسؤوليتنا تقف عند مساعدة رؤساء الأحياء».