رئيس جامعة طنطا يواصل جولات متابعة سير أعمال الامتحانات النهائية    الوزراء: لا توجد أي مؤشرات على تغير مستوى الخلفية الإشعاعية داخل مصر    وزير الطيران: استقبلنا أكثر من 700 طائرة بعد غلق المجالات الجوية المجاورة    فرق فنية للمرور على لجان الثانوية العامة بالقاهرة للتأكد من توافر خدمات مياه الشرب    محافظ المنيا يُسلم 328 عقد تقنين لأراضي أملاك الدولة    متحدث جيش الاحتلال : الهجمات الإيرانية لم تتوقف وإسرائيل مستعدة لكل الاحتمالات    خبير عسكري يفجر مفاجأة بشأن الضربات الإسرائيلية ضد إيران    ماسكيرانو يثير الجدل قبل مواجهة الأهلي وإنتر مامي    قائد بوتافوجو: مستعدون لمواجهة أتليتكو مدريد وسان جيرمان.. ونسعى لتحقيق اللقب    في اليوم الوطني لمناهضة ختان الإناث.. النيابة الإدارية تشدد علي الإبلاغ عن جريمتها    مؤامرة الحريم، محمد خميس يروي قصة قتل الملك رمسيس الثالث    بيعملوا كل حاجة على أكمل وجه.. تعرف على أكثر 5 أبراج مثالية    متحدث الحكومة يكشف أسباب تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير: التداعيات الإقليمية ستستمر لفترة طويلة    مايان السيد تنشر صورًا من حفل زفاف شقيقتها وتعلق: "أختي أحلى عروسة"    ب فستان جريء وشفاف.. جومانا مراد بإطلالة لافتة في أحدث ظهور    أحاديث عن فضل صيام العشر الأوائل من شهر المحرم    التايمز: الدفاع البريطانية تأهبت قبيل هجوم إسرائيل على إيران لكن تم استبعادها    مصدر ليلا كورة: الزمالك يرحب بعودة طارق حامد.. واللاعب ينتظر عرضًا رسميًا    السياحة: منع الحج غير النظامي أسهم بشكل مباشر في تحقيق موسم آمن    خبير استراتيجي: إيران في مأزق كبير.. والجبهة الداخلية مخترقة بدعم أمريكي    نور الشربيني من الإسكندرية تؤازر الأهلي في كأس العالم للأندية    تزامنا مع دخول الصيف.. الصحة تصدر تحذيرات وقائية من أشعة الشمس    صوت أم كلثوم على تتر مسلسل «فات الميعاد» | شاهد    تعليمات لرؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة بالفيوم    "الإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية".. جلسة تثقيفية بجامعة أسيوط    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    باحث عمانى: جميع الخيارات مطروحة لإنهاء الحرب أو استمرارها    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    تأجيل محاكمة 3 متهمين في حادث وفاة لاعب الكاراتيه بالإسكندرية ل28 يونيو للنطق بالحكم    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    يسرى جبرى يرد على من يقولون إن فريضة الحج تعب ومشقة وزيارة حجارة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    إجرام واستعلاء.. حزب النور يستنكر الهجمات الإسرائيلية على إيران    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    على غرار ياسين.. والدة طفل تتهم مدرب كاراتيه بهتك عرض نجلها بالفيوم    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عمار على حسن يكتب : عطفاً على الوثيقة التى حققها صلاح عيسى .. مرشد الإخوان .. أَلَهُ ماضٍ معيب يطارده؟

فسدت المقدمات فاعتلّت النتائج.. قد تكون هذه هى الخلاصة الدقيقة لما أقدم عليه الأستاذ صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة «القاهرة»، التى تصدرها وزارة الثقافة، فى تقديمه وتفسيره نصا منسوبا إلى المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع، ينصب على تحقيق أجرى معه بمبنى السجن الحربى على خلفية اتهامه فى القضية رقم 12 أمن دولة عليا لسنة 1965 والمعروفة باسم «قضية سيد قطب».
ولا يستقر فى يقين أى باحث منصف أن تقديم مثل هذه «الوثيقة» وشرحها، عمل منزه عن الهوى، لا يروم إلا للحقيقة العلمية الخالصة، إذ إن تزامن النشر مع الحملة الأمنية الجديدة لملاحقة الإخوان، التى انطلقت فى ركابها أبواق إعلامية لتشويه صورتهم وإحالة قيادتهم الجديدة ورجال الصف الذى يليها إلى القطبية فى التفكير، وإلى التنظيم الخاص فى التدبير- يفتح بابا واسعا للتشكيك فى متن الوثيقة، فإن ثبتت صحتها، سينسحب الشك، لا محالة، على الشرح الذى رافقها، والذى عانى من خلل نسبى على مستوى الشكل والمضمون.
فشكلا، يقول صلاح عيسى: «عثرت على هذه الوثيقة النادرة» من دون أن يوضح لنا أين عثر عليها، وهو الرجل المعروف باحتفائه الشديد بالوثائق، وحرصه على أن يسرد على قرائه كل ما يتعلق بها، حسبما جاء، مثلا، فى مقدمة كتابه «دستور فى القمامة»، الذى حقق فيه مسودة دستور 1954 الذى لم ير النور.
ووفق ما ورد فى الكتاب فإن عيسى ادعى أنه عثر على تلك المسودة مهملة فى أضابير يكسوها غبار كثيف بأرشيف «معهد البحوث والدراسات العربية»، بينما الحقيقة أنه سمع عن وجودها فى المعهد فطلبها من مديره أستاذنا الدكتور أحمد يوسف أحمد، فأرسل صورة منها إلى مكتب عيسى فى جريدة «القاهرة». وتلك الواقعة قد تفيد، بالتبعية، كل من يريد أن يتعقب الطريقة التى حصل بها عيسى على وثيقة التحقيق مع بديع، أو أى وثائق أخرى لكاتب لم يزل قادرا على الاستفادة من المنهج الذى تعلمه وألفه حين كان يعمل فى مطلع حياته إخصائيا اجتماعيا بقرية ترسا، محافظة القليوبية، ثم أصبح مؤرخا مشهودا له، قبل أن يصل إلى محطته الحالية.
وبالطبع، لا يمكننى وأنا فى هذا المقام أن أقطع بأن جهة ما أمدت عيسى بالوثيقة، فالرجل معروف بميزة نسبية ومهارة ملموسة فى جمع الوثائق وتحليلها. كما لا يمكننى أن أقطع بأن المادة التى نُشرت فى صحيفة «المصرى اليوم» أعدت عقب اختيار بديع مرشدا للإخوان. لكن هذا لا يمنع من مسؤولية الكاتب عن اختيار التوقيت، ولا يقى ما ساقه من تبريرات وشروح من أن يتم تأويله على محامل غير علمية، أو يُفسر فى إطار موقع عيسى الآن من النظام السياسى الحاكم، وهى مسألة يقترب هو منها حين يقول: «كان الاهتمام المبالغ فيه بقطبية المرشد العام الجديد، هو الذى دفعنى للعودة إلى ملفات القضية ..».
فإن تركنا طريقة الحصول على الوثيقة، ودخلنا مباشرة إلى أسلوب التحليل ومسارات الاستدلال، سنجد عوارا غير خافٍ على من يمتثل للمنهج العلمى فى التفكير. فشرح الوثيقة لم يراع السياق الذى تم إنتاجها فى ظله، ولم يشر إلى الوطأة الثقيلة التى تركها هذا السياق على طريقة عمل القضاء، وهى مسألة يدركها عيسى بقدر كافٍ، إذ إنه واحد من الذين دفعوا ثمن تغول السلطة التنفيذية على القضائية وأفاعيل «القضاء الاستثنائى» أيام حكم الرئيس عبدالناصر، وهى آفة مستمرة إلى الآن بطريقة مختلفة، وإن كانت قد تفادت اليسار بعد تراجعه، وإلحاق بعض رموزه وتنظيماته بالسلطة، فإن قصدها التنكيل بالإخوان لم يتراخ يوما فى عهد الرئيس حسنى مبارك.
ولم ينطو تحقيق الوثيقة على توازن، فعيسى حرص على سرد سير ذاتية مختصرة لكل الشخصيات الإخوانية التى ورد ذكرها، وهو أمر يحمد له، لكن كان من الضرورى أن يعرفنا، بالقدر ذاته، سير آخرين وردت بالوثيقة، ومنهم محمد وجيه قناوى، وكيل نيابة أمن الدولة العليا المنتدب، ومحمد حسين عثمان، سكرتير التحقيق. وهذا قد يبدو فى نظر البعض مسألة هامشية، لكنه فى الحقيقة جزء من جوهر الموضوع، وإلا ما كان المثقفون قد اعتنوا بشرح الخلفية الثقافية لمحمد نور، وكيل النيابة، الذى حقق فى قضية كتاب «فى الشعر الجاهلى» لطه حسين.
وكان من اللازم أيضا أن يورد عيسى فى بنود تحقيق الوثيقة أو فى تفسيره لها معلومات عن «مباحث أمن الدولة» و«المباحث الجنائية العسكرية» و«الشرطة العسكرية» و«السجن الحربى» أيام قضية «سيد قطب» لنعرف على وجه اليقين كيف تم انتزاع هذا الاعتراف من بديع، وهى مسألة وصفها عيسى نفسه بأنها «استنطاق»، لكنه لم يعن برصد ما حدث قبل هذا الاستنطاق، وما إذا كان قد تم تحت وطأة التعذيب الوحشى أم لا، واكتفى بطرح الموضوع وكأنه غير قابل للتشكيك، وهى مسألة تحتاج إلى مراجعة، إن عرفنا أن السلطة وقتها كانت تلفق الاتهامات، وأن الأمر قد وصل بها إلى حد قتل بعض المعتقلين داخل السجون، ثم تسجيلهم «هروب» فى «دفتر الأحوال».
وكانت الشرطة، إمعانا فى حبك التمثيلية، تهاجم قرى أو بيوت من قضوا نحبهم من فرط التعذيب، وتقبض على ذويهم، بتهمة التستر على مجرمين هاربين. وفى الوقت نفسه كانت بعض التحقيقات يتم تسويدها بمعرفة رجال السلطة، وتمهر بتوقيع المعتقل، وهى مسألة ذكرتها عشرات الشهادات والسير الذاتية والروايات التى فضحت ممارسات هذه المرحلة، وسنجد ظلالا لذلك فى كتب صلاح عيسى نفسه ومقالاته أيام زمان.
أما المضمون فقد عمد عيسى إلى رسم صورتين لمحمد بديع، الأولى: أنه قطبى التفكير، والثانية: أنه رجل منقاد وخائر الإرادة. فأما الأولى فهى صحيحة من حيث المنشأ، ولا مجال للتنطع بأن أفكار سيد قطب لم تؤثر على فريق من الإخوان وأنها قد محيت بمجرد ظهور كتاب «دعاة لا قضاة» للمرشد الثانى المستشار حسن الهضيبى، لكن ليس من الإنصاف أن تلصق صورة بالرجل بقية حياته، وهى مسألة لم ينكرها الكاتب نفسه حين قال: «ربما لا يكون منصفا للرجل أن نفترض أن شخصيته وأفكاره لم يلحقهما تغيير خلال الأعوام الخمسة والأربعين، التى تفصل بين إجراء هذا التحقيق وتوليه منصب المرشد العام» لكنه يعود فيقول: «من غير المنصف للتاريخ أن نفترض أن أفكار وخبرة محمد بديع الشاب قد مضت دون أن تترك أثرا على شخصيته وأفكاره.. وكان ذلك ما دفعنا إلى نشر هذه الوثيقة من ذلك الزمن!». وفى هذا مصادرة على حق أى إنسان فى مراجعة نفسه، أو بناء قطيعة معرفية مع أفكاره السابقة إن ثبت له خطؤها، ومن ثم لا يمكن النظر إلى بديع بأنه رجل له ماض يطارده.
ويأتى نص التحقيق نفسه ليبين أن تفاعل بديع بأفكار سيد قطب ظل منذ البداية عند المستوى النظرى، إذ يمكن أن يكون قد خلب لبه سحر لغة قطب وبيانه ووثوقية ودوجمائية الخطاب الذى يطرحه، لكن الرجل حين طلب منه أن يترجم هذه الأفكار إلى عمل عنيف فى الواقع رفض، ولم يذهب إلى موعد لتلقى تعليمات حول تنفيذ عملية ضد الحكومة ردا على حركة الاعتقالات فى صفوف الإخوان، وها هو يقول: «بدأت أفكر أن هذا العمل طائش، ويتنافى مع ما كانوا يقولون من قبل من أن الطريق لتحكيم القرآن هو إنشاء جيل مسلم». أما الصورة الجديدة التى ظهر عليها بديع عقب اختياره، فدلت على انفتاحه وتعقله وإيمانه بالعمل السياسى السلمى والمدنى، اللهم إن كان من حق الباحثين أن يحكموا على النوايا والطوايا فيقولوا إن الرجل «إرهابى متخف» كما تحاول أن تسوق بعض الصحف والمجلات الحكومية.
أما تصويره على أنه رجل ضعيف، فهذا حكم ساقه عيسى نفسه حين وصف بديع بأنه «نموذج للكادر السياسى الأشبه بالروبوت، فهو يتلقى الأفكار ويؤمن بها من دون مناقشة.. ويتلقى التعليمات وينفذها دون سؤال عن احتمالات النجاح والفشل، وصواب التعليمات، أو حتى موافقتها لأحكام الشريعة». والكلام المنسوب إلى بديع سابقا ينفى عنه هذا الوصف. كما يُستَفاد من التحقيق نفسه، فى جملته وتفاصيله، أن بديع كان يجيد المناورة والمرواغة، ويستخدم فطنته وثقافته فى صنع ردود محكمة على الأسئلة الموجهة إليه. وهذا بالطبع إن افترضنا أن الوثيقة صحيحة تماما.
إن نقد الإخوان فكرا ومسلكا، فرض عين على كل من يروم إصلاحا سياسيا لمصر، لكن الكتابة الساخرة والمتهكمة أو تلك التى تعرض بهم وتسوقها تعليمات الأمن لا مقتضيات الضمائر، وتجنح عما يفرضه المنهج العلمى على صاحبه من استقامة- تصب فى صالح الإخوان فى نهاية المطاف، لأنها تمنحهم تعاطفا لا يستحقونه، وتكسبهم أرضا ليست لهم، وفى الوقت نفسه تفيد السلطة فى محاولتها خلق وتضخيم «فزاعة» الإخوان، لتجد تبريرا لاستمرار العمل بالقوانين الاستثنائية وتقييد الحركة المدنية وتمويت الحياة السياسية، وإعلاء الفساد والاستبداد، وإبقاء مصر محشورة بين الحزب الوطنى والإخوان، وكلاهما لا يملك حلا ناجزا يخرج البلاد مما انحدرت إليه من تدهور وتخلف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.